وقيل: أيضًا إن {قليلا} وصفٌ للزمان، أي زمانًا قليلا (¬2)، وأنه عائد على الزمان الدنيوي أيضًا.
ثم قال تعالى: {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ}. وهذا يكون في الآخرة. والاضطرار:
ضد الاختيار (¬3) ويعني حمل الإنسان على أمر يكرهه، إما بسبب خارج كما في الآية، أو بسبب داخل كما في أكل الميتة لدفع الهلاك من الجوع (¬4).
والاضطرار في التعبير الجوابي يعني: السَوق والدفع إلى النار (¬5)، وفيه ما فيه من الدلالة على الاحتقار والإهانة والتذليل. وهي دلالات يؤيدها قوله عز وجل الذي ورد على سبيل الذم: {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}، وذلك بحذف المخصوص بالذم وهو (النار)؛ تهويلا لها، واكتفاءًا بذكرها في التعبير السابق.
والمصير: هو ((المرجع والمأوى والمآل)) (¬6). وفيه من السخرية ما لا يخفى؛ فضلا عن معنى التهديد الذي يلمح في التعبير الدال على الاستجابة، وهو نوع من الاستثناء. فقد استثنى من استجابة الدعاء الذي سأله إبراهيم عليه السلام الكفار، لئلا يذهب الكلام على إطلاقه ويطمع الكافر بما للمؤمن، وحتى يكون الإنسان حذرًا من أن تذهب هذه النعمة هدرًا بالكفر والشرك.
ومن هذا القبيل ما ورد في هذا المنظر الطبيعي البحري، الذي اصطخبت فيه المياه بالريح الشديدة الهبوب، هو قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَاذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (¬7). حيث دعا فيه الذين في الفلك الجارية في البحر المتلاطم الأمواج من دون أن يرد جواب دعائهم مصرحًا به، بل ورد محذوفًا
¬__________
(¬1) مجمع البيان 1/ 205.
(¬2) مجمع البيان 1/ 205، ومدارك التنزيل 1/ 90.
(¬3) روح المعاني 2/ 382.
(¬4) المفردات في غريب القرآن /436 (ضر).
(¬5) مجمع البيان 1/ 206.
(¬6) مجمع البيان 1/ 206.
(¬7) سورة يونس /22 - 23.