فجاء الجواب من الباري سبحانه: {قَالَ كَذَالِكَ أَتَتْكَ ءآيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَالِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} (¬2). وهو جواب يلمح فيه ((الوعد والتوعد الشديدين)) (¬3) والتذكير. فقد صدّر بالقول الإلهي {كَذَالِكَ}، الدال على التحقق والتثبيت، وهو ((إشارة إلى مصدر أتتك، أي: مثل ذلك الإتيان البديع أتتك الآيات الواضحة النيرة ... {فَنَسِيتَهَا}، أي: تركتها ترك المنسيّ، الذي لا يذكر أصلا. والمراد: فعَمِيْتَ عنها. إلا أنه وضع المسبَّب موضع السبب؛ لأن من عمي عن شيء نسيه وتركه)) (¬4).
ويلحظ أن الجواب الإلهي ورد بإسناد ضمير الجمع (نَا) في {ءآيَاتُنَا} دون ضمير المفرد (الياء): (آياتي)، وكأنه سبحانه أراد تفخيم ما جاء الكافر من الآيات وتعظيمها. وقد كان جديرا به أن لا ينسى ذلك ولا يغفل عنه ولا يتركه وراء ظهره.
ويلحظ في هذا الجواب الإلهي أنه ورد على أسلوب بلاغي هو الازدواج أو المزاوجة بين قوله {نَسِيتَهَا} وقوله {تُنسَى} إذ اتحدا في الأصل، وهو النسيان، غير أن هناك فارقا دلاليا بين الاثنين. فالنسيان الأول يعني الإهمال وعدم الاكتراث، وهو من الإنسان الكافر، على حين جرى الثاني مجرى الجزاء، فعبر به عن حشره مع من لا نجاة له ولا نور. وهو عقاب من الله تعالى له.
وقوله {وكَذَالِكَ} إشارة إلى النسيان المفهوم من الفعل {نَسِيتَهَا} أي: مثل نسيانك في الدنيا تنسى في الآخرة وتترك جزاءًا وفاقًا (¬5).
وورد الفعل المضارع {تُنسَى} بصيغة البناء للمجهول، وقد حذف نائب الفاعل من التعبير وجوبا، وكأن اختيار هذا الفعل الدال بلفظه على النسيان والترك، واختيار البناء للمجهول دون المعلوم، والحذف الواجب لنائب الفاعل، يناسب ما أُريد من تفخيم أمر النسيان والترك لهذا الكافر، وشدته عليه ووقعه الأليم على نفسه، وما أُريد من تحقيره بترك ذكره وإهماله، ثم تيئيسه وقطع رجائهِ في النجاة.
¬__________
(¬1) سورة طه / 125.
(¬2) سورة طه / 126.
(¬3) خطاب القرآن الكريم لغير المسلمين دراسة موضوعية فنية – خالد المشهداني – رسالة ماجستير – كلية التربية للبنات – جامعة بغداد 1421هـ / 2000م / 39.
(¬4) روح المعاني 16/ 278.
(¬5) روح المعاني 16/ 278.
