ويُلحظُ أيضًا أن قوله: {فَقَدَّرَهُ} ورد معطوفًا بالفاء دون (ثّمُ)؛ للتنبيه على أن التقدير مرتب على الخلق في أطواره ومدده المختلفة المتتالية، وعلى عدم التراخي بينهما (¬1).
(12) ومن الظواهر التي تُلفت الباحث أيضًا سبق السؤال بمضمونه، كما في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} (¬2). فقد ورد الجواب سؤالاً إنكاريًا لمضمون الكلام الذي تقدمه، وهو اتهام موسى عليه السلام بالسحر. وفيه ((تكذيب لقولهم وتوبيخ لهم عليه إثر توبيخ وتجهيل إثر تجهيل ... وقوله {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ}، تأكيد للإنكار السابق وما فيه من التوبيخ والتجهيل)) (¬3). وهو في موضع نصب حال من ضمير المخاطبين وأما جملة {أسِحْرٌ هَذا}، فمعترضة بين الحال وصاحبها، لتأكيد الإنكار، أو أنها مقول القول ولا اعتراض حينئذ (¬4).
(13) ومن الظواهر التعبيرية في الجوابات القرآنية أن يرد كل من السؤال والجواب تلقينين، أي مصدَّرين بـ (قُلْ). وقد يرد الجواب متضمنًا لتعبير السؤال الملقن السابق له، كالذي يلحظ في قوله عظم شأنه: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُم مَّنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} (¬5).
فسؤال الباري الموجّه للمشركين مصدّرٌ بالتلقين، ولا يجيب عنه المشركون لأن مكابرتهم ولجاجهم لا تدعهم ينطقون بكلمة الحق، وعندئذ يتولى سبحانه الإجابة عنهم بالتلقين أيضاً. ثم يأتي بعده بسؤال آخر لا يجيبون عنه، فإذا سكتوا ولم يجيبوا عندئذ يتولى الباري سبحانه الجواب أيضًا. فالسائل هو ذاته المجيب، وقد صُدِّر كل من السؤال والجواب بـ (قُلْ) التلقينية، مع إعادة لمضمون السؤال ((لمزيد التأكيد والتحقيق)) (¬6).
¬__________
(¬1) من بلاغة القرآن /179.
(¬2) سورة يونس /76 - 77.
(¬3) روح المعاني 11/ 146.
(¬4) نفسه 11/ 164.
(¬5) سورة يونس /34 - 35.
(¬6) روح المعاني 11/ 113.