ونصب {سِنِينَ} على الظرف، بأن وقع مفعولا فيه، ووقع {عَدَدًا} مصدرًا نعتًا لسنين، أي سنين ذات عدد كثير (¬2)، لأن ((العدد مستعمل في الكثرة)) (¬3).
ويلحظ أن التعبير الدال على الإجابة ورد بأسلوب القصة والحدث المتسلسل، إذ قال تعالى بعد قوله الأول: {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ}. والبعث في اللغة ((إثارة الشيء وتوجيهه)) (¬4)، وهو نوعان: بشري وإلهي، والإلهي ضربان، أحدهما: إيجاد الأعيان والأجناس والأنواع، والآخر: إحياء الموتى. وهو في هذا التعبير من الضرب الثاني (¬5)؛ إذ يعني هنا: إثارة أصحاب الكهف من نومتهم الطويلة وإيقاظهم يقظة مفزوع (¬6)، لأن ((النوم من جنس الموت، فجعل التوفي فيهما والبعث سواء)) (¬7).
وأردف هذا الإيقاظ للفتية الذي عبّر عنه بالبعث بتعليل في قوله تعالى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا}، وقد ورد بإسناد العلم إلى الذات الإلهية المعظّمة بنون الجمع.
وقيل إن الحزب هم ((جماعة فيها غلظ)) (¬8). وفيه نظر فإن منهم من سمّاهم الله سبحانه (حزب الله)، فأضافهم إلى ذاته العلية، مدحًا لهم وتمييزًا لهم عن غيرهم من الأحزاب. وقيل: هم ((الجماعة الذين توافقوا على شيء واحد. فالحزبان فريقان: أحدهما مصيب والآخر مخطئ في عدّ الأمد الذي مضى عليهم)) (¬9).
ويحتمل أن يكون (أحصى) فعلا ماضيًا، أو اسم تفضيل موضوعًا من غير الثلاثي على خلاف القياس (¬10). والأقوى الثاني، إذ تستعمل (أفعل) للموازنة بين طرفين أو شيئين. وعلى أية حال فإنه على الاحتمال الأول ((جاز أن تكون (أيُّ) موصولا مبنيًا على
¬__________
(¬1) التحرير والتنوير 15/ 268. وينظر روح المعاني 15/ 212.
(¬2) مشكل إعراب القرآن 1/ 437.
(¬3) التحرير والتنوير 15/ 268.
(¬4) المفردات في غريب القرآن / 68 (بعث). ينظر مقاييس اللغة 1/ 266 (بعث).
(¬5) المفردات في غريب القرآن / 68 (بعث).
(¬6) مجمع البيان 6/ 452، والتحرير والتنوير 15/ 269، وروح المعاني 15/ 212.
(¬7) المفردات في غريب القرآن / 69 (بعث).
(¬8) نفسه / 165 (حزب).
(¬9) التحرير والتنوير 15/ 569.
(¬10) البيان في غريب إعراب القرآن 2/ 101، روح المعاني 15/ 214، التحرير والتنوير 15/ 269.