الإجابة بقوله تعالى: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ}، ((تتضمن منَّة عليه، فعطف عليها تذكير بمنَّة عليه أخرى في وقت ازدياده)) (¬1).
والمرّة (فَعْلَهَ)، وهي لجزء من الزمان (¬2)، وقد ((غلبت على معنى الفَعْلَة الواحدة من عمل معين يعرف بالإضافة أو بدلالة المقام)) (¬3).
ويلحظ أنها انتصبت على أنها مفعول مطلق للفعل (مَنَّ)، أي مرّة من المنّ. وقوله {أخرى} وصف للمرّة باعتبار أنها غير هذه المنّة (¬4).
وقد ترد الإجابة معبّرًا عنها بتعبير مأخوذ من مضمون الجواب، كما في قوله تعالى مخبرًا عن طلب الحواريين المائدة؛ إذ ألحُّوا على عيسى عليه السلام ((وكرروا طلبهم لنزول المائدة والتمسوه منه. وسأل هو ربه أن يكرمهم بها)) (¬5) حين قال: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَءاخِرِنَا وءَايَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ} (¬6) فدل قولة: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا} على الاستجابة الصريحة؛ إذ ناب هذا التعبير عن القول بـ (استجبنا) أو (استجاب)، أو (أُجيب).
ويلحظ أنه جواب صدر بالقول المسند إلى لفظ الجلالة {قال اّلله} وهو إسناد قليلا ما يرد في التعبير القرآني. ويمكن القول إن هذا الإسناد ورد إعظامًا للمجيب، وتفخيمًا للأمر المدعو به.
وقد صدّرت جملة الجواب بأداة التوكيد- إنّ – وجعل خبرها اسمًا؛ تحقيقًا للوعد وإيذانًا بأنه سبحانه وتعالى منجز له لا محالة، وإشعارًا له بالاستمرار (¬7)، فالجملة الاسمية إذا كان خبرها اسمًا فقد يقصد به الدوام والاستمرار الثبوتي ويكون ذلك بمعونة القرائن (¬8).
وقد عقّب الجواب بتحذير (¬9) وتهديد (¬10) ورد بأسلوب الشرط والجزاء، إذ جعل سبحانه ((جزاء إجابته إياهم أن لا يعودوا إلى الكفر، فإن عادوا عُذِّبوا عذابًا أشدّ من عذاب سائر الكفار؛ لأنهم تعاضد لديهم دليل العقل والحس، فلم يبقَ لهم عذر)) (¬11).
¬__________
(¬1) التحرير والتنوير 16/ 215.
(¬2) المفردات في غريب القرآن / 706 (مرر).
(¬3) التحرير والتنوير 16/ 215.
(¬4) نفسه 16/ 215.
(¬5) البرهان لعلوم القرآن 1/ 354.
(¬6) سورة المائدة / 114 –115.
(¬7) روح المعاني 7/ 62.
(¬8) الجملة العربية تأليفها وأقسامها / 185، ومعاني الأبنية في العربية / 17
(¬9) التحرير والتنور 7/ 111.
(¬10) في ظلال القرآن 2/ 1000.
(¬11) التحرير والتنوير 7/ 111.