ونحو هذا قوله عظم شأنه مصورًا دعاء موسى عليه السلام، الذي يلمح فيه الألم والاستسلام والشكوى والالتجاء (¬1)، إلى الله تعالى من قومه المعاندين، إذ {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (¬2) فقد حصلت الاستجابة بتعبير خبري مؤكد مصدّر بالقول مسندًا إلى الله تعالى. وقوله {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ} هو الكلام المستجاب به، وقد وصل بتعبير الإجابة حرف العطف الفاء ((على وجه التسبيب)) (¬3) فالفاء – على هذا – سببية.
والضمير في (إنّها) راجع إلى الأرض المقدسة التي كتبها الله سبحانه لهم.
والحرام في اللغة: الممنوع (¬4) الذي ((لا يحلّ انتهاكه)) (¬5)، وهو إما منع بتسخير إلهي أو بقهر. وقد حمل التحريم في الجواب على المعنيين (¬6).
وقوله {يَتِيهُونَ} مشتق من التيه وهو ((المفازة التي يُتاه فيها)) (¬7)، ويتحير (¬8) سالكيها، أي إنهم يسيرون في الأرض متحيرين ضالين لا يهتدون طريقا (¬9). ويلحظ أنه ((يتركهم السياق هنا – في التيه – لا يزيد على ذلك، وهو موقف تجتمع فيه العبرة النفسية إلى الجمال الفني، على طريقة القرآن في التعبير)) (¬10).
فهو جواب جامع لدعاء موسى عليه السلام. وقد حصل العقاب لهم على العصيان، انتصارًا لموسى عليه السلام. (¬11)
وأردف الجواب بتعبير ورد بأسلوب النهي معطوفا على الجواب بالفاء، وذلك قوله تعالى: {فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (¬12)، وهو ((تفريع على الإخبار بهذا العقاب؛ لأنه علم
¬__________
(¬1) في ظلال القرآن 2/ 871.
(¬2) سورة المائدة / 25 – 26.
(¬3) الكشاف 1/ 605.
(¬4) المفردات في غريب القرآن / 164 (حرم).
(¬5) مختار الصحاح / 132 (حرم).
(¬6) المفردات في غريب القرآن / 164 –165 (حرم).
(¬7) الكشاف 1/ 605. وينظر لسان العرب 1/ 342 (تيه).
(¬8) المفردات في غريب القرآن / 102 (التيه).
(¬9) الكشاف 1/ 605.
(¬10) في ظلال القرآن 6/ 871.
(¬11) التحرير والتنوير 6/ 167.
(¬12) سورة المائدة / 26.