العصيان وإظهار كمال نزاهته - صلى الله عليه وسلم -. وفي إيراد اليوم بالتنوين التفخيمي ووصفه بـ {عَظِيْم} ما لا يخفى ما فيه من العذاب وتفظيعه)) (¬1).
(6) تضمن الجواب شيئاً من الحدث الملازم للسؤال، كالذي في قوله تعالى مُصوِّرًا حوار موسى أخاه هارون عليهما السلام، وهو يلومه على عبادة بني إسرائيل العجل، عند ذهاب موسى عليه السلام لتلقي الألواح من عند ربه إذ {قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْراءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} (¬2). فقد صحب الجواب الصادر من هارون عليه السلام ما يتعلق بالحدث من عمل وتصرف، فهو لم يجب مباشرة {إِنِّي خَشِيتُ}، بل طلب من أخيه قبل هذا الجواب ألا يأخذ بلحيته وبرأسه غضبًا عليه، بنداء رقيق ووشيجة رحيمة (¬3)، إذ ((خص الأم بالإضافة، استعطافًا وترقيقًا لقلبه)) (¬4). ثم وقع جواب هارون بالخبر المؤكَّد بالأداة (إنّ) الذي هو ((استئناف لتعليل موجب النهي بتحقيق أنه غير عاص أمره ولا مقصر في المصلحة)) (¬5).
ويلحظ في قوله {بَيْنَ بَنِي} فن من فنون البلاغة، وهو ما سمَّاهُ ابن أبي الإصبع المصري (¬6): ((تجنيس التداخل)) أو ((تجنيس التضمين))، وهو تضمُّن إحدى الكلمتين لفظ الأخرى، أو ((تجنيس العكس)) وهو أن تكون إحدى اللفظتين على عكس الأخرى، وذلك بتقديم بعض حروفها على بعض.
(7) ومن ظواهر التعبير الجوابي التناوب بين السؤالات والجوابات في سياق واحد متصل، بصيغة فعل الأمر (قُلْ)، فيتحد الجواب في اللفظ والأسلوب، إذ يرد بصيغة المضارع المستقبل، كما في قوله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} (¬7).
¬__________
(¬1) روح المعاني 11/ 84.
(¬2) سورة طه /92 - 94.
(¬3) في ظلال القرآن 3/ 1374.
(¬4) روح المعاني 16/ 251.
(¬5) روح المعاني 16/ 251.
(¬6) تحرير التحبير 1/ 108.
(¬7) سورة المؤمنون /84 - 89.