ويلحظ في هذا التعبير إنه دال على الاستجابة، وقد أُخذ من مضمون الجواب فناب (نصرنا) عن (استجبنا).
ويمكن القول في هذين التعبيرين الجوابيين اللذين وقعا جوابًا لتعبير دعائي واحد، أن كليهما يصلح أن يكون جوابًا؛ إذ كثيرًا ما يرد في التعبير القرآني التعبير عن أمر واحد بأكثر من صيغة، أو تكرار المعنى بأكثر من تعبير، وهو أمر كثيرًا ما يلحظ في القصص القرآني، إذ إن التكرار لا يأتي إلا ويقدم زيادة في القصة لم تكن قد وردت فيها من قبل. فضلا عما فيها من الفصاحة من جهة إيراد الكلام الواحد في تعابير منوّعة وأساليب وفنون مختلفة (¬1).
ومما ورد أيضا جوابًا لدعاء بصيغة الفعل الماضي قوله تعالى جوابًا لدعاء إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} (¬2) فقد حصلت الاستجابة بالتبشير الذي ورد بصيغة الماضي إخبارًا عن البشرى، وورد مصدّرًا بفاء التعقيب ((فالبشارة بإسماعيل لما كانت عقب دعاء إبراهيم أن يهب الله له من الصالحين، عطف هنا بفاء التعقيب)) (¬3)، وهو تعقيب نسبيّ؛ لأن بين البشارة وحمل هاجر عليها السلام به مدة طويلة. (¬4)
ويلحظ أن فعل التبشير ورد مسندًا إلى ضمير الجمع؛ تعظيمًا للمجيب تعالى وللبشرى. وأنه وُصِف ما بُشِّر به بما سيكون عليه في قابل عمره وهو قوله: {بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}، أي إنه ((يكون حليما في كبره)) (¬5).
ونحو هذا قوله تعالى مخبرًا عن أصحاب الكهف: {فَقَالُوا رَبَّنَا ءاتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا فَضَرَبْنَا عَلَى ءاذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} (¬6). فدل قوله {فَضَرَبْنَا} على استجابة دعائهم (¬7)، وقد ورد الفعل محذوف المفعول، والتقدير: ضربنا على آذانهم حجابا. (¬8)
فالضرب يعني ((إيقاع شيء على شيء)) (¬9)، أي إن حائلا أو غشاوة وقع على آذانهم فحال دون السمع (¬10)، وقد وقع الضرب هنا ((كناية عن الإنامة، لأن النوم الثقيل
¬__________
(¬1) البرهان في علوم القرآن 3/ 26 – 27. وينظر دراسة نصّية أدبية في القصة القرآنية / 30.
(¬2) سورة الصافات / 100 - 101.
(¬3) التحرير والتنوير 23/ 149.
(¬4) نفسه 23/ 149.
(¬5) إعراب القرن للنحاس 3/ 430.
(¬6) سورة الكهف / 10 – 12.
(¬7) مجمع البيان 6/ 452، والتحرير والتنوير 15/ 268.
(¬8) روح المعاني 15/ 211.
(¬9) المفردات في غريب القرآن / 436 (ضرب).
(¬10) التحرير والتنوير 15/ 268.