جَوابَاتُ الدُّعَاءِ بلفظ الاستجابة
من التعابير التي وردت فيها جوابات الدعاء صريحة بإحدى صيغ الاستجابة، قوله عظم شأنه مخبرًا عن دعاء زكريا عليه السلام بأسلوب النداء: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} (¬1).
فقد سأل عليه السلام ربه أن يرزقه ولدًا يرثه و لا يدعه وحيدًا بلا وارث، ثم رد أمره إلى الله تعالى مستسلمًا (¬2) بقوله {وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}. وقد تلا ذلك مباشرة في السياق فعل الاستجابة لدعائه بقوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (¬3).
وهي ((استجابة سريعة مباشرة)) (¬4) دلت عليها الفاء التعقيبية. وقد وردت الاستجابة بصيغة الفعل الماضي المسند إلى الضمير (نا) الدال هنا، وفي سياقات كثيرة في القرآن على تعظيم المستجيب.
وقد حذف مفعول الاستجابة؛ إيجازًا، أي: استجبنا له نداءه (¬5) أو دعاءه (¬6)، وهي استجابة سريعة مباشرة. وقد عطف على الاستجابة تعبير فيه تفصيل لما أجمل فيها، ووقع العطف بالواو التي دلت على المصاحبة وهو قوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى}. وكأن التعبير حدد الاستجابة بالوهب للولد. وبين الاستجابة والأمر الإلهي بالهبة فسحة زمنية، لأن يحيى عليه السلام لم يخلق وقت التصريح بالاستجابة، بل إن بينهما زمنًا. وقد يحمل على أن الأمر الإلهي بالوهب حصل في ذلك الحين فصحب الوهب الاستجابة.
ثم عطف على الوهب قوله: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ}، بحرف العطف الواو؛ ((لأنه لما فيه من الزيادة على المطلوب. لا يعطف بالفاء التفصيلية)) (¬7). فجمع له سبحانه بين البشرى بالولد القادم، وبين إصلاح زوجه له، وهما غاية ما يطمح إليه مؤمن، كما قال سبحانه في موضع آخر على لسان المؤمنين الداعين: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} (¬8). غير أن البشارة بالولد تقدمت هنا على إصلاح الزوج، لأهميتها بعد العقر الذي كانت عليه.
¬__________
(¬1) سورة الأنبياء /89.
(¬2) الكشاف2/ 582.
(¬3) سورة الأنبياء/ 90.
(¬4) في ظلال القرآن 4/ 2395.
(¬5) تفسير الجلالين/ 429.
(¬6) روح المعاني 17/ 87.
(¬7) روح المعاني 17/ 87.
(¬8) سورة الفرقان / 74.