و {عَيْنًا} منصوب على البيان، ويعني هنا عين الماء، وهو من الأسماء المشتركة (¬1).
ونحو هذا قوله عظم شأنه مخبرًا عن دعاء أيوب عليه السلام: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} (¬2).
فقد أجيبت دعوته التي عبّر عنها بالنداء، بقوله {ارْكُضْ}، وهو على تقدير محذوف، أي: قيل له اركض. وقد دل قوله: {ارْكُضْ} على الاستجابة، والركض هو: ((الضرب بالرجل. فمتى نسب إلى الراكب فهو إعْدَاءُ مركوبٍ، نحو ركضتُ الفرسَ. ومتى نُسبَ إلى الماشي: فَوطْءُ الأَرضِ)) (¬3)، وهو المراد بهذا التعبير.
ويلحظ أن في التعبير حذفًا، أي: ((فضرب فنبعت عين ماءٍ فقيل: {هَذَا مُغْتَسَلٌ})) (¬4)، أي: هذا ماء يغتسل به (¬5).
وقوله {بَارِدٌ وَشَرَابٌ} معناه: ((تشرب منه، فاغتسل وشرب فذهب عنه كل داء كان بباطنه وظاهره)) (¬6). أي إن دعوته قد أجيبت. دلّ على ذلك التعبير الوارد بصيغة الأمر مضمّنا الإيجاز بالحذف.
ومن جوابات الدعاء التي وردت بصيغة الأمر، ما ورد جوابًا لدعاء محذوف دلّ عليه السياق وهو قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} (¬7). فقد أنكر موسى عليه السلام طلبتهم، غير أنهم أبوا أن يرجعوا عنها، فدعا الله تعالى لهم. (¬8) وهو دعاء حذف من السياق، غير أن السياق بعد قولهم له عليه السلام: {ادْعُ}، دلّ على أنه قد دعا لهم. إذ قال تعالى لهم: {اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ}، فهو قول دال على الاستجابة لذلك الدعاء المقدّر. فهذه قرينة السياق المتأخر عن اللفظ، وهو {ادْعُ}.
والهبوط ((نزول يعقبه إقامة)) (¬9) ويعني أيضًا: ((الانحدار على سبيل القهر، كهبوط الحجر ... وإذا استعمل في الإنسان الهبوط فعلى سبيل الاستخفاف بخلاف الإنزال،
¬__________
(¬1) الجامع لأحكام القرآن 1/ 420.
(¬2) سورة ص /41 - 42.
(¬3) المفردات في غريب القرآن / 294 (ركض).
(¬4) تفسير الجلالين / 602.
(¬5) المفردات في غريب القرآن / 541 (غسل)، وتفسير الجلالين / 602.
(¬6) تفسير الجلالين / 602.
(¬7) سورة البقرة / 61.
(¬8) تفسير الجلالين / 12،. وفي ظلال القرآن 1/ 74.
(¬9) الفروق في اللغة / 293.