والهجر في اللغة يعني: المفارقة والمتاركة (¬6)، وهو ((الخروج من الوطن وترك القوم، مفاعلة من هَجَرَ إذا ترك. وإنما اشتق للخروج عن الوطن اسم المهاجرة؛ لأنها في الغالب تكون عن كراهية بين الراحل والمقيمين. فكل فريق يطلب ترك الآخر، ثم شاع إطلاقها على مفارقة الوطن بدون هذا القيد)) (¬7). وهذا مبني على ظاهر التغيّر الدلالي بما يطلق في الاصطلاح: (كثرة الاستعمال).
فقد وبخّوا وبكِّتوا على ترك المهاجرة، ولم يكن منهم جواب عن ذلك السؤال الصادر من الملائكة، إذ كانت الحجة عليهم، وليست لهم.
وأردف هذا التعبير ببيان مصير الكافرين: {فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} (¬8). بالإشارة البعيدة؛ ((للتنبيه على أنهم أحرياء بالحكم الوارد بعد اسم الإشارة مِن أجل الصفات المذكورة قبله؛ لأنهم كانوا قادرين على التخلص من فتنة الشرك بالخروج من أرضه. وقوله: {إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ} استثناء من الوعيد، والمعنى: إلاّ المستضعفين حقًّا ... والتبيين بقوله: {مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}؛ لقصد التعميم)) (¬9). والقصد منه التنبيه على أن من الرجال مستضعفين، فابتدأ بهم ثم رتّب الذين دونهم بعد ذلك (¬10).
ويلحظ أن التعبير قد ((قَرَنَ الولدان مع الرجال، وإن لم يكونوا داخلين في الوعيد؛ تأكيدًا في أنهم صاروا في انتفاء الذنب عنهم، كالولدان)) (¬11).
¬__________
(¬1) روح المعاني 5/ 126.
(¬2) التحرير والتنوير 5/ 176.
(¬3) الكشاف 1/ 556، ومحاسن التأويل 5/ 1489.
(¬4) في ظلال القرآن 2/ 744.
(¬5) سورة النساء / 97.
(¬6) المفردات في غريب القرآن / 782 (هجر).
(¬7) التحرير والتنوير 5/ 176.
(¬8) سورة النساء / 97 – 98.
(¬9) التحرير والتنوير 5/ 176 – 177.
(¬10) التحرير والتنوير 5/ 176 – 177.
(¬11) التبيان في البيان / 185.