وقيل في التعبير أيضًا إنه على حذف المبتدأ، أي هذا مكر الليل والنهار (¬1).
ثم زادوا على ذلك بقولهم: {إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا}. والند: هو من ((نديد الشيء مشاركه في جوهره، وذلك ضرب من المماثلة، فإنّ المثل يقال في أي مشاركة كانت. فكل ند مثيل، وليس كل مثيل ندًا)) (¬2).
ثانياً: حوار غير العقلاء:
إن ما مر سالفًا من جوابات إنما كان نتيجة حوار دار بين العقلاء، وإن اختلفت مراتبهم. غير أن في التعبير القرآني جوابات صدرت من غير العقلاء، في محاورة العقلاء لهم، فمن ذلك قوله تعالى مخاطبا جهنم على سبيل التعريض بأهل العذاب والتنبيه لهم (¬3): {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَل مِّنْ مَزِيدٍ} (¬4)؟
وقد ذهب العلماء في جواب جهنم هنا إلى أقوال: منها أنه على سبيل التمثيل (¬5)، أو ((التخييل الذي يقصد به تصوير المعنى في القلب وتثبيته)) (¬6). ومنها أنه جواب من خزنة جهنم أو أهل جهنّم (¬7)؛ لأن الخطاب لهم، فيكون من المجاز الذي علاقته المحلية؛ لأن جهنّم محل لأهلها ومقام (¬8). ومنها أنه ((استعارة؛ لأن الخطاب والجواب منها في الحقيقة لا يصحان)) (¬9). وهذا يعني أنه ضرب من التشخيص الفني، بخلع صفة العاقل عليها.
وقيل وهو الأرجح فيما يبدو. إن مخاطبة جهنّم وجوابها وردا على سبيل الحقيقة، فلا حاجة إلى تأويل الآية بوجوه من المجاز، وهو اختيار ابن قتيبة، الذي وصف تلك الوجوه بالتعسف (¬10).
¬__________
(¬1) إعراب القرآن للنحاس 3/ 349.
(¬2) المفردات في غريب القرآن / 740 (ندد).
(¬3) التحرير والتنوير 26/ 317.
(¬4) سورة ق / 30.
(¬5) مجمع البيان 9/ 147.
(¬6) الكشاف 4/ 9.
(¬7) مجمع البيان 9/ 248، وتلخيص البيان في مجازات القرآن / 54.
(¬8) تلخيص البيان في مجازات القرآن / 54 – 55.
(¬9) نفسه / 53.
(¬10) تأويل مشكل القرآن / 79، 83، والإنصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال / ابن المنير الإسكندري 4/ 10.