ما قبلها كأنه قيل: وإذا تبين تفرده تعالى بالإلوهية والخالقية والرازقية، فمن أي وجه تُصرفون عن التوحيد إلى الشرك)) (¬1)؟.
(4) ومن ظواهر التعبير القرآني الفرض والتسليم، وهو ((أن يفرض المتكلم فرضًا محالاً إما منفيًّا أو مشروطًا بحروف الامتناع، ليكون ما ذكره ممتنع الوقوع لامتناع وقوع مشروطه، ثم يسلم بوقوع ذلك تسليمًا جدليًّا)) (¬2). أي إن المتكلم يخرج الأمر المحال مخرج الأمر المشكوك فيه لغرض المبالغة أو التبكيت أو إفحام الخصم وقطع حجته. كما في قوله تعالى الذي صُدِّرَ بتلقين جوابًا للكافرين في زعمهم (¬3) أن الملائكة بنات الله تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَانِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} (¬4). فطلب سبحانه من نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يحاجج المشركين بهذه المناظرة العقلية المفترضة، مع علمه عليه السلام علم اليقين أن الله سبحانه منزَّه عن الولد (¬5).
وقد أُخرج هذا التعبير الجوابي مخرج الشك (¬6)، مع أنه أمر مستحيل؛ تبكيتًا (¬7) للخصم وإرخاءًا للعنان له ليعثر، وإفحامًا له وقطع حجته، ومبالغة (¬8) في نفي الولد على أتم وجه بأحسن أسلوب وأتمِّ عبارة، إذ دخلت (إنْ) الشرطية على أمر مستحيل مجزوم بانتفائه (¬9). والفعل (كان) هنا ((بمعنى صحَّ كما يقال ما كان لك أن تفعل كذا، وهو أحد استعمالاتها، و {أوَّلُ} أفعل تفضيل والمفضل عليه المقول لهم ... وهذا نفي لكينونة ولد له سبحانه على أبلغ وجه)) (¬10).
(5) قد يرد الجواب متضمنًا جزءًا من السؤال، وهو الذي يرد في آخر السؤال نحو قوله تعالى الذي يصور الحوار الذي دار بين موسى عليه السلام – حين رجوعه من ميقات ربه – وقومه الذين عبدوا العجل من بعده {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَاقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي
¬__________
(¬1) روح المعاني 22/ 167
(¬2) تحرير التحبير 4/ 587.
(¬3) تأملات في آيات القرآن 1/ 105.
(¬4) سورة الزخرف /81.
(¬5) تأملات في آيات القرآن 1/ 107 - 108.
(¬6) النكت في إعجاز القرآن /97، وتحرير التحبير 1/ 120.
(¬7) روح المعاني 25/ 104، ومن بلاغة النظم العربي 1/ 249.
(¬8) النكت في إعجاز القرآن /97، والبرهان في علوم القرآن 3/ 47.
(¬9) من بلاغة النظم العربي 1/ 249 - 250.
(¬10) روح المعاني 25/ 104.