فإن الإنزال ذكرهُ تعالى في الأشياءِ التي نبّه على شرفها كإنزال الملائكة والقرآن والمطر وغير ذلك: والهَبْطُ ذُكِرَ حيثُ نبّه على الغضِّ)) (¬1).
فاستجابة طلبتهم لم تكن تكريمًا لهم وتعظيمًا وتشريفًا، وإنما كانت مسايرة لهم بإلقاء الحجة عليهم، وإرخاء العنان لهم، بدليل قوله تعالى بعد الجواب: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ} (¬2). وقد قيل (¬3) إن هذا التعبير كان من موسى عليه السلام لقومه تأنيبًا وتوبيخًا.
والمصر في الجواب لا يُراد به البلد المعروف، بل هو مصر من الأمصار (¬4)، بدليل تنكيره وصرفه، وبدليل القرينة الحالية، وهي أن القوم خرجوا من مصر خائفين، فكيف يعودون إليها راغبين؟ وقد دلّ الهبوط على إجابة ما طلبوه.
ومن أساليب جوابات الدعاء أيضًا أن يرد الجواب بصيغة المدح (نِعْمَ)، كما في قوله تعالى مخبرًا عن دعاء نوح عليه السلام: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} (¬5).
فالنداء هنا بمعنى الدعاء والاستغاثة (¬6). وقوله: {فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} مدح وثناء للباري سبحانه، تضمن معنى الاستجابة لذلك النداء.
وهو تعبير ورد مصدرًا بفاء التعقيب، ومؤكدًا باللام الدالة على القسم، أي: ((فوالله لنعم المجيبون)) (¬7)، وقد ورد بصيغة الجمع لا بالإفراد، لقصد التعظيم والتفخيم والكبرياء لفضاعة الحدث (¬8).
وقد زيد في التفخيم والتعظيم، حين حذف المخصوص بالمدح، المقدّر ((فلنعم المجيبون نحن)) (¬9). فالتعبير الدال على الجواب قد خصّ الحدث بهذه الكلمات، لأن الذي حصل بالاستجابة شيء فضيع، إذ انفتحت ميازيب السماء بماء منهمر.
إن ما ورد من جوابات الدعاء سواء الصريحة منها أو غير الصريحة، قد وردت متصلة بسياق الدعاء. إلا أن هناك جوابات للدعاء وردت منفصلة عن تعبير الدعاء، كما في قوله
¬__________
(¬1) المفردات في غريب القرآن / 781 (هبط).
(¬2) سورة البقرة / 61.
(¬3) في ظلال القرآن 1/ 74.
(¬4) الكشاف 1/ 285، ومجمع البيان 1/ 124، والجامع لاحكام القرآن 1/ 429، وتفسير الجلالين / 12، وفي ظلال القرآن 1/ 74.
(¬5) سورة الصافات /75.
(¬6) إعراب القرآن للنحاس 3/ 426، ومجمع البيان 8/ 447.
(¬7) روح المعاني 23/ 98.
(¬8) نفسه 23/ 98.
(¬9) مجمع البيان 8/ 447، والبيان في غريب إعراب القرآن 2/ 306. وينظر روح المعاني 23/ 98.