فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} (¬1)، فالسؤال ورد بأداة الاستفهام (ما) مردفة بصيغة (يَتساءلُونَ)، والمعنى: ((عن أي شيء يتساءلون. فاللفظ لفظ الاستفهام، والمعنى تفحيم القصة، كما تقول: أي شيء زيد؟. ثم بيّن المسؤول عنه فقال: {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} (¬2).
وقد اختلف (¬3) في المراد من هذا النبأ الموصوف بالعظم في التعبير الجوابي المباشر، فقيل: هو القرآن الكريم، وقيل: عن أمر الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: هو البعث، وهذا هو الأرجح بدليل قوله تعالى الوارد في سياق بعده: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا} (¬4).
ونحو هذا قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} (¬5). فقد ورد قوله {لا يستوون} بيانًا لحال من كان على سبيل الإيمان أو الكفر، في كونهم لا يستوون في الجزاء من الثواب أو العقاب. وقد ورد هذا الجواب متصلاً بالسؤال الصريح اتصالاً مباشرًا، مع الإيجاز في التعبير.
ونحو هذا قوله عظم شأنه الذي كان فيه السائل هو ذاته المجيب، وقد تولى الإجابة عن السؤال الذي سأله على وجه التعظيم والتعجيب؛ {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} (¬6)، فالجواب ورد مباشرًا من السائل، وهو الباري عز وجل، مبيِّنًا (¬7) ذلك الشيء، وهو النطفة. إذ ((بين تعالى له كيف خلقه من الشيء الحقير)) (¬8)، الزهيد الذي لا قيمة له ولا قوام، وإنما ((يستمد كل قيمته من فضل الله ونعمته، ومن تقديره وتدبيره)) (¬9) عظم شأنه.
فورد الجواب معينًا مادة خلق الإنسان بكلمة واحدة وهي {نطفَةٍ}، وقد أعاد الفعل {خَلَقَهُ}؛ مع تقديم المُعيَّن. فكأن تأخير الفعل، لأجل المباشرة والسرعة في تعيين المسؤول عنه. ثم جيء بالفعل بعده، كي لا يعطف الفعل {قَدَّرَهُ} على الاسم {نُطْفَةٍ} فضلا عما فيه من الاتساق الصوتي داخل الآية، تناسبًا مع ما سبقها وما لحقتها من الآيات التي وردت فواصلها بالهاء.
¬__________
(¬1) سورة النبأ /1 - 3.
(¬2) معاني القرآن وإعرابه 5/ 271.
(¬3) نفسه 5/ 271.
(¬4) سورة النبأ /17.
(¬5) سورة السجدة /18.
(¬6) سورة عبس/17 - 19.
(¬7) الكشاف 4/ 219، وتفسير القرآن العظيم 4/ 471، ومن بلاغة القرآن/179، ومعاني النحو 1/ 43.
(¬8) تفسير القرآن العظيم 4/ 471، وينظر معاني النحو 1/ 43.
(¬9) في ظلال القرآن 6/ 3831.