والتلطف واضحة جلية في حوارهم أقوامهم وذويهم. فضلاً عن سمة التكرار في النداء بـ (يَا قومِ) وهو نداء تتبعه دعوة إلى التوحيد، وترك ما يخالف أوامر الله سبحانه، بأسلوب يلمح فيه النصح والإرشاد. غير أن ذلك يُقابَل بتعبير من أقوامهم فيه ما فيه من التبجح واللجاج، والتهكم والسخرية، والتكذيب. ومع ذلك فإن هذا التودد لم ينقطع عنهم، بغية أن ينقادوا إلى طريق الحق ويتركوا طريق الباطل. على أنهم حين لا يجدون جدوى في ذلك كله يختمون حوارهم في الغالب – بأسلوب فيه تهديد وتحذير من مغبة العقاب في ذلك اليوم. وهذا التهديد والتحذير قد يرد مباشرًا بأسلوب صريح، أو بأسلوب غير مباشر كأن ينسب النبيُ الخوف إلى نفسه من عقاب الله، والمراد به عمومه، ليشمل هؤلاء كذلك. فدار هذا اللون من الحوار في أربع وحدات وظيفية هي الدعوة والتحذير والتكذيب والعقاب.
(15) اتسمت أساليب التعبير في جوابات عالم الغيب بالقِصر والإيجاز تارة وبالبسط والإطناب تارة أخرى. أما القِصر فكان في مواضع الحوار التي لا جدال فيها، كما في حوار الكافرين للباري سبحانه، أو للملائكة عليهم السلام، أو لأصحاب الجنة. وأما البسط فكان في مواضع الاتهام، فكما في حوار الباري سبحانه عيسى عليه السلام، وحوار الكافرين بعضهم بعضًا.
(16) هناك ظواهر تعبيرية في جوابات قرآنية، ومن هذه الظواهر أن يرد الجواب على سبيل القصة، إذ يتطلب ذلك سردًا وتفصيلا بذكر أحداث معينة ذات مساس بصيغة السؤال وماهيته أو بتعبير الخبر. وهو لون متفرد