عظم شأنه: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} (¬1).
فإن القارئ لهذا ((الدعاء يجد الإجابة عليه في أول سورة البقرة)) (¬2)، في قوله تعالى: {الم ذَالِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (¬3) أي إن جواب الدعاء وقع منفصلا في السياق عن تعبير الدعاء. فكأنهم لما سألوا في الدعاء الهداية إلى الصراط المستقيم، قيل لهم: ذلك الصراط الذي سألتم الهداية إليه هو الكتاب. (¬4)
ويلحظ في هذا الجواب الدعائي المنفصل عن سياق الدعاء انه صُدِّر بالحروف المقطعة {الم} التي هي مفتتحات انطوت على الاشارة بـ {ذَالِكَ} إلى الكتاب ونفي الشك عنه ووصفه بذلك. ويلحظ في هذا الجواب أنه ((لما بولغ في وصف الكتاب العزيز ببلوغه الدرجة العليا في الكمال فجعل المبتدأ لفظة {ذَالِكَ} وعرف الخبر باللام كان عند السامع قبل أن يتأمل مظنة ما يرمي به على سبيل الجزاف من غير إتقان فاتبعه {لا رَيْبَ فِيهِ} مسبوقًا لوصف التنزيل بكونه هاديًا أتبعه {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} تقريرًا له)) (¬5) وقيل إن قوله {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} وارد على سبيل الإيجاز بطريق التضييق، إذ حذف بعض الكلام تحقيقًا لقوة الدلالة عليه، والأصل هو أن يقال هدى للضالين الصائرين إلى التقوى بعد الضلال، فحذف ذلك توصلا إلى وصف الشيء بما يؤول إليه (¬6). وقيل: هو من قبيل طلب زيادة الهدى للمتقين واستدامة ذلك لهم (¬7).
ومِمَّا مرَّ ذكرُهُ يُمكِنُ القولُ: إنَّ جواباتِ الدعاء قد وردت بطريقينِ: جوابات صريحةٌ عن طريق الإخبار عَنِ الإجابة بصيغةِ الفعلِ (أَجاب) الدَّالّ في أصل الوضع على حصولِ المطلوب. وقد وردَ بصيغٍ منها ما دلَّ على الإجابة المجرَّدة، ومنها ما دلَّ على الإجابة
¬__________
(¬1) سورة الفاتحة / 6 - 7.
(¬2) مفهوم النص دراسة في علوم القرآن / 163.
(¬3) سورة البقرة / 1 - 2.
(¬4) البرهان في علوم القرآن 1/ 38، والإتقان 2/ 112، وينظر مفهوم النص دراسة في علوم القرآن / 163.
(¬5) المصباح / 30.
(¬6) المصباح / 36.
(¬7) أضواء على متشابهات القرآن خليل ياسين 1/ 20 – 21.