وقد ورد قوله {عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} بتنكير (أَمْرٍ) وتنوينه، تعظيمًا له، ومحله مع جاره النصب على الحال من الماء. ثم وصف هذا الأمر بقوله: {قَدْ قُدِرَ}، أي اتُّقِن وأُحكِم (¬4) و ((قضي به في الأزل، هو هلاكهم غرقًا)). (¬5)
وضمير النصب (الهاء) في قوله {وَحَمَلْنَاهُ} عائد على نوح عليه السلام. وقوله {ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} كناية عن السفينة (¬6) والتقدير: سفينة ذات ألواح ودسر. والدُسُر تعني المسامير واحدها دِسار (¬7). وقوله {جزاءً} ((منصوب بفعل مقدر، أي أغرقوا انتصارًا لمن كان كُفِر) وهو نوح عليه السلام)) (¬8). فقد كفر به قومه، أي كذبوه وجحدوا نبوته. والكفر في اللغة والاصطلاح له دلالات، أحدها هذا، ويلحظ في هذا التعبير الجوابي أن هناك انسجامًا صوتيًّا بين فواصل الآي؛ إذ تكرر الروي بصوت الراء المفخم بالوقف عليه، وهو مما يلائم المعنى في تهويل عقابهم وتفخيمه.
ويلحظ أن ابن فارس جعل جواب دعاء نوح عليه السلام منفصلاً عنه في السياق، وليس متصلاً معه، كما مر آنفا، فقال في (باب ما يكون بيانه منفصلا منه): إن ((منه قوله جل وعز في قصة نوح عليه السلام: {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}، قال في موضع آخر: {وَنَصَرْنَاهُ مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِئايَاتِنَا})) (¬9) وهو جواب ورد بصيغة الماضي المسند إلى ضمير الجمع المعظّم وهو {نَصَرْنَاهُ}. المتعدى بحرف الجر (من) دون (على). وقد ((فُرِّق بينهما بأن المتعدي بـ (على) يدل على مجرد الإعانة، والمتعدي بمن يدل على استتباع ذلك للانتقام من العدو والانتصار)) (¬10). أي إن التعبير الجوابي اختير له من الألفاظ ما يلائم التحديد الدقيق لمعنى المراد.
¬__________
(¬1) البيان في غريب إعراب القرآن 2/ 404.
(¬2) معاني القرآن للفرّاء 3/ 106.
(¬3) التحرير والتنوير 27/ 183.
(¬4) التحرير والتنوير 27/ 183 –184.
(¬5) تفسير الجلالين / 705.
(¬6) نفسه / 705.
(¬7) المفردات في غريب القرآن / 244 (دسر).
(¬8) تفسير الجلالين / 705.
(¬9) الصاحبي / 405.وينظر البرهان في علوم القرآن 2/ 195. الآية الأولى 10 من سورة القمر، والآية الأخرى /77 من سورة الأنبياء.
(¬10) روح المعاني 17/ 73.