في العبارة من إيحاءات أخرى مفهومة من استعمال حرف الجر (من) لتكثير العصاة، كما يوحي تنكير {مَزِيدٍ} بالتعميم)) (¬1).
فالسؤال الأول هو من العالم سبحانه بما يسأل عنه، إذ يسأل عن امتلاء جهنم، فيجيء الجواب عن عدم امتلائها بصيغة سؤال مرادًا به الطلب والزيادة على سبيل التهويل.
و (المزيد) هنا: إما أن يكون مصدرًا ميميًا، ويعني الزيادة، جيء به للمبالغة (¬2)، وإما أن يكون اسم مفعول من زاد، كالمبيع من باع (¬3).
ومثل ذلك الحوار الذي دار بين الكافرين وأعضائهم، فهو سؤال استنطاق وشهادة. فقال عظم شأنه: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (¬4).
فسؤال الكافرين قد يكون عتابًا (¬5) لجلودهم على الشهادة الفاضحة لهم غير المتوقعة، أو استنكارًا (¬6) لجلودهم التي قد يراد بها هنا الجوارح (¬7)، أو أريد بها حقيقة الجلود، أي إنهم توجهوا لها بالملامة لأنهم ((يحسبون أن جلودهم لكونها جزءًا منهم لا يحق لهم شهادتها عليهم؛ لأنها تجر العذاب إليها واستعمال الاستفهام عن العلة في معرض التوبيخ كثير)) (¬8).
وجاء جواب الجلود مسكتًا الكافرين ومبكّتًا لهم (¬9)، حين نطقت ((بالحقيقة التي أنكروها أو تناسوها، ولم ينتفعوا بمن ذكّرهم بها يومًا)) (¬10). وهو تكلم لا يكون إلا بالنطق (¬11). فقد قالوا: {أَنطَقَنَا اللَّهُ} وهو جواب صحّح سؤالهم، فورد على (أسلوب الحكيم)، فقد كان المتوقع أن تجيب الجلود مبيّنة سبب الشهادة، لأن اللام للتعليل لكنها لم تعلل بل قالت: {
¬__________
(¬1) من إعجاز البيان في القرآن الاستفهام / 285.
(¬2) الكشاف 4/ 10، والتحرير والتنوير 26/ 318، 26/ 318، ومن إعجاز البيان في القرآن الاستفهام / 285.
(¬3) من إعجاز البيان في القرآن الاستفهام / 285.
(¬4) سورة فصلت / 21.
(¬5) مجمع البيان 9/ 10.
(¬6) التعبير القرآني / 125.
(¬7) الكشاف 3/ 450.
(¬8) التحرير والتنوير 24/ 267 – 268.
(¬9) الحوار في القرآن الكريم / 241.
(¬10) نفسه / 241.
(¬11) تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة/ 81، والمجاز في البلاغة العربية مهدي السامرائي / 148.