لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} (¬1). وقد أجيبت دعوة نوح عليه السلام ودل التعبير صريحا على ذلك بقوله: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ}. وقد فصّل التعبير في نوع هذه الاستجابة بقوله: {فنَجَّيْنَاهُ} بالفاء التفسيرية دون العطف بالواو؛ وذلك عناية بالاستجابة له، ولمكان الإجمال والتفصيل لعظم ما كان فيه من الكرب وتفاقمه جدًا (¬2).
والمراد بـ {أَهْلَهُ} هنا عموم ((أهل بيته عدا أحد بنيه الذي كفر به)) (¬3) وقيل إلا امرأته (¬4). والنص القرآني دال صريح على الاثنين كليهما، إذ ذهب الطوفان بهما معًا.
والكرب يعني: ((الغم الشديد ... وأصل ذلك كرب الأرض وهو قلبها بالحفر. فالغم يثير النفس إثارة ذلك)) (¬5).
والمراد بـ {الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} الطوفان (¬6)، أو ما لحقه من أذى من قومه (¬7).
ويلحظ أن الفعل (نصر) عُدِّي هنا بحرف الجر (من) دون (على)؛ ((لتضمنه معنى المنع والحماية ... وهو أبلغ من تعديته بـ (على)؛ لأنه يدل على نصر قوي تحصل به المَنَعة والحماية، فلا يناله العدو بشيء. وأما نصره عليه فلا يدل إلا على المدافعة والمعونة)) (¬8). أي إن الفعل ((المتعدي بـ (على) يدل على مجرد الإعانة، والمتعدي بمن يدل على استتباع ذلك للانتقام من العدو والانتصار)) (¬9). وهذا من دقيق استعمال حروف الجر في القرآن الكريم.
ويلحظ أيضًا أن التعبير الجوابي، قد أردف بتعبير معلل (¬10) له مصدّر بـ (إنّ)، وهو قوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ}، والمراد بالسوء هنا: الكفر والتكبر والعناد والسخرية من رسولهم. ويلحظ أنهم وصفوا بأنهم {قوم}،إشارة إلى أنهم عرفوا بذلك (¬11)، حتى صار وصفًا ملازمًا له. وأضيف هذا اللفظ الدال عليهم إلى (السوء)؛ بيانًا لسوء عملهم.
¬__________
(¬1) سورة نوح /26.
(¬2) روح المعاني 17/ 86.
(¬3) التحرير والتنوير 17/ 113.
(¬4) في ظلال القرآن 4/ 2389.
(¬5) المفردات في غريب القرآن /645 (كرب).
(¬6) التحرير والتنوير 17/ 113، وروح المعاني 17/ 73، وفي ظلال القرآن 4/ 2389.
(¬7) روح المعاني 17/ 73.
(¬8) التحرير والتنوير 17/ 113.
(¬9) روح المعاني 17/ 73.
(¬10) نفسه 17/ 73.
(¬11) التحرير والتنوير 17/ 114.