ءَامِنُوا بِرَبِّكُمْ فَامَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (¬1). وقد استجاب سبحانه لدعائهم، إذ قال عظم شانه: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ} (¬2).
ويلحظ أنها استجابة سريعة وردت عقب الدعاء غير مسندة إلى (نا) العظمة الدالة عليه سبحانه، وهي قوله {فَاسْتَجَابَ} وأنها وردت بالغيبة في قوله: (لهم)، وهي ((استجابة مفصّلة وتعبير مطول يتناسق مع السمة الفنية للتعبير القرآني، وفق مقتضى الحال، ومتطلبات الموقف من الجانب النفسي والشعوري)) (¬3).
ومع أن هذه الإجابة وردت بأسلوب البسط والتفصيل، إلا أنها إجابة عن جزء مما دعوا به؛ إذ هي جواب إعطاء الثواب لا غفران الذنوب. وقد علّل الرازي (¬4) ذلك بقوله: ((إنه لا يلزم من إسقاط العذاب حصول الثواب، لكن يلزم من حصول الثواب سقوط العذاب. فصار قوله: {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ}، إجابة لدعائهم في المطلوبين)).
وقوله {أنيّ} الذي اتسم بالتفصيل وتعيين الاستجابة، ورد محذوف الجار، إذ الأصل: بأني (¬5). والباء قد يراد بها ((بيان السبب لتأكيد الاستجابة، والإشعار بأن مدارها أعمالهم التي قدّموها على الدعاء لا مجرد الدعاء)) (¬6).
وقيل أيضًا: ((إنها صلة لمحذوف وقع حالا، إما من فاعل (اسْتَجَابَ)، أو من الضمير المجرور في (لهم). والتقدير: مخاطبًا لهم بأني، أو مخاطبين بأني الخ. وقيل: إنها متعلقة باستجاب؛ لأن فيها معنى القول. وهو مذهب الكوفيين ويؤيد القولين أنه قرئ (*) (إنيّ) بكسر الهمزة، وفيها يتعين إرادة القول وموقعه الحال، أي قائلا: إني، أو مقولا لهم (إنيّ))) (¬7).
¬__________
(¬1) سورة آل عمران / 193 - 194.
(¬2) سورة آل عمران / 195.
(¬3) في ظلال القرآن 1/ 548.
(¬4) التفسير الكبير 9/ 149.
(¬5) مشكل إعراب القرآن 1/ 185، ومجمع البيان 2/ 559، وروح المعاني 4/ 168.
(¬6) روح المعاني 4/ 168.
(¬7) (*) وهي قراءة عيسى بن عمر. ينظر مختصر في شواذ القراءات لأبن خالويه /24.
() روح المعاني 4/ 168.