ومن هذا اللون أيضًا قوله عظم شأنه مخبرًا عن طلبة الكافرين بالقضاء عليهم بالموت لشدة ما بهم: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} (¬1). وقد جاءهم الجواب من الباري سبحانه؛ لأنهم ((لما سألوا مالكا أن يسأل الله القضاء عليهم أجابهم الله)) (¬2) سبحانه مستهزئًا (¬3) بهم، بقوله: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} (¬4)، أي: دائمون في البقاء فيها ومقيمون في العذاب (¬5). وقد بُني الاستهزاء على أن التعبير هنا قد ((أقام المكث مقام الخلود. والمكث يشعر بالانقطاع)) (¬6)، لأنه يعني في اللغة: ((ثبات مع انتظار)) (¬7).
وفضلا عمَّا في الجواب من الاستهزاء، هناك معان أخرى إضافية مجازية تلمح
فيه، هي النكاية والتقنيط (¬8) بهؤلاء الكافرين؛ لأنه جواب جامع لنفي الإماتة و نفي الخروج، فهو قاطع لما قد يسألونه من بعد (¬9).
وأردف هذا الجواب بخبر مؤكّد باللام ومحقّق بالأداة (قد)، وهو قوله تعالى: ... {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ} (¬10) الذي وضع ((موضع العلة لجملة {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ})) باعتبار إتمام الجملة وهو الاستدراك بقوله: {وَلَاكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ})) (¬11).
ومن هذا اللون من الجوابات ما ورد بصيغة السؤال، كما في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنْ الْعَذَابِ قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاؤُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلَالٍ} (¬12). فالجواب من الخزنة ورد بصيغة السؤال التوبيخي لا السؤال على سبيل الحقيقة والاعلام، وقد وقع جواب هذا السؤال إقرارًا واعترافًا.
(3) حوار أصحاب الجنة وأصحاب النار:
¬__________
(¬1) سورة الزخرف / 77.
(¬2) الكشاف 3/ 496.
(¬3) الكشاف 3/ 496.
(¬4) سورة الزخرف / 77.
(¬5) معترك الأقران 2/ 429، وتفسير الجلالين / 655.
(¬6) روح المعاني 25/ 103.
(¬7) المفردات في غريب القرآن / 715 (مكث).
(¬8) روح المعاني 25/ 103.
(¬9) التحرير والتنوير 25/ 260.
(¬10) سورة الزخرف / 78.
(¬11) التحرير والتنوير 25/ 260.
(¬12) سورة غافر / 49 – 50.