ونحو هذا قوله عظم شأنه مخبرًا عن دعاء أيوب عليه السلام التعريضي (¬1)، حين ((ألطف في السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة، وذكر ربه بغاية الرحمة ولم يصرح بالمطلوب)) (¬2): {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَءآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} (¬3).
فقد أجاب الله تعالى دعاءه إجابة سريعة، إذ الفاء في قوله: {فَاسْتَجَبْنَا} ((إشارة إلى سرعة كشف الضر عنه، والتعقيب في كل شيء بحَسَبِه. وهو ما تقتضيه العادة في البُرء وحصول الرزق وولادة الأولاد)) (¬4). أي أن الاستجابة أًبهِمت، ثم بينا بعد ذلك مباشرًة في السياق بكشف ما به من داء، وإتيانه أهله الذين فقدهم بموتهم ومثلهم في العدد (¬5). وذلك بقوله {فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَءآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ}. فالفاء هنا تفسيرية تفصيلية (¬6)، والكشف هنا يعني: الإزالة (¬7).
وهو ((مستعمل في الإزالة السريعة. شبهت إزالة الأمراض والأضرار المتمكنة التي يعتاد أنها لا تزول إلاّ بطول بإزالة الغطاء عن الشيء في السرعة)) (¬8). فهو إذن كناية عن استجابة دعائه، إذ الإجابة تعقبت الدعاء (¬9).
ويلحظ أن التعبير أظهر شمول الاستجابة في الكشف عمّا بهذا النبي الكريم، إذ ورد التعبير بالاسم الموصول في قوله: {مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} وفي ذلك من الإبهام ثم تفسيره بـ (من) البيانية، قصد إعظام ذلك الضر (¬10). ثم عطف قوله {وَءآتَيْنَاهُ} على قوله {فَكَشَفْنَا}، وهذا العطف – كما ذكر الآلوسي (¬11) – يلزم أن يكون المعطوف داخلا في حيّز الاستجابة. وفي ذلك خفاء، لعدم ظهور كون الإتيان المذكور مدعوًا به. وأما إذا عطف على قوله {اسْتَجَبْنَا} فلا يلزم ذلك.
¬__________
(¬1) مجمع البيان 7/ 59، والتحرير والتنوير 17/ 127.
(¬2) الكشاف 2/ 581.
(¬3) سورة الأنبياء / 83 - 84.
(¬4) التحرير والتنوير 17/ 127.
(¬5) الجامع لأحكام القرآن 11/ 326.
(¬6) روح المعاني 17/ 85.
(¬7) مجمع البيان 7/ 59، والتعريفات/ 19.
(¬8) التحرير والتنوير 17/ 127.
(¬9) الجامع لأحكام القرآن 11/ 326.
(¬10) التحرير والتنوير 17/ 127.
(¬11) روح المعاني 17/ 81.