والصلاح في اللغة ضد الفساد (¬1). وقد اشعر الضمير (نا) في قوله {أَصْلَحْنَا} بتعظيمه سبحانه – وجلّ شأنه؛ إذ جعلها صالحة للحمل بعد أن كانت عاقرا لا تلد (¬2)؛ لان ((إصلاح الله تعالى الإنسان يكون تارة بخلقه إياه صالحا، وتارة بإزالة ما فيه من فساد بعد وجوده، وتارة يكون بالحكم له بالصلاح)) (¬3). وقد دل سياق الحال على أن الإصلاح هنا إزالة أسباب العقم، لا كما قيل بصلاح زوجه ((للمعاشرة بتحسين خلقها)) (¬4)؛ لأن سوء الخلق لا يمنع من إعطاء الولد التقي، الذي يكون وريثًا لأبيه في التقوى. فنبي الله إبراهيم عليه السلام ولد من أب كافر وهو آزر والكفر لا يخلو من سوء الخلق.
ويلحظ في هذا التعبير الجوابي أنه ورد بتقديم السبب وهي (الهبة) على المسبب وهو (إصلاح زوجه)، فقد ((قدّم هبة يحيى مع توقفها على إصلاح الزوج للولادة؛ لأنها المطلوب الأعظم)) (¬5)، والغاية المبتغاة من دعاء زكريا عليه السلام، وانه أردف بتعبير تعليلي، هو قوله تعالى: {إِنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}، فهذا ((تعليل لما فصل من فنون إحسانه المتعلقة بالأنبياء المذكورين سابقًا عليهم السلام. فضمائر الجمع للأنبياء المتقدمين، وقيل: لزكريا وزوجه ويحيى)) (¬6).
ومن هذا الوادي قوله تعالى مخبرًا عن اعتراف ذي النون عليه السلام بما بدر منه، وذلك بأسلوب النداء، مضمَّنا الدعاء: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ} (¬7). فقد حصلت الاستجابة لدعائه عليه السلام بقوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ
¬__________
(¬1) المفردات في غريب القرآن /419 (صلح)، ومختار الصحاح / 367 (صلح).
(¬2) إعراب القرآن النحاس 3/ 77، والكشاف 2/ 582، ومجمع البيان 7/ 61، والتحرير والتنوير 17/ 136، وروح المعاني 17/ 87.
(¬3) المفردات في غريب القرآن / 420 (صلح).
(¬4) روح المعاني 17/ 87.
(¬5) نفسه 17/ 87.
(¬6) نفسه 17/ 87.
(¬7) سورة الأنبياء /87.