ثم حدد التعبير نوع الاستجابة بأسلوب خبري، وهو قوله: {أَنِّي مُمِدُّكُمْ} فهذا هو
((الكلام المستجاب به)) (¬1). ويحمل على حذف الجار، والتقدير: بأَنِّي مُمِدُّكُمْ (¬2)، ويمكن عدم تأويله بالحذف، إذ (إنّ) ((إذا وقعت بعد ما فيه معنى القول دون حروفه، أن تكون مفيدة للتفسير مع التأكيد، كما كانت تفيد معنى المصدرية مع التأكيد)) (¬3).
والإمداد في اللغة يعني: الزيادة (¬4) ويعني أيضًا الإرسال (¬5) والإعطاء (¬6) في اللغة، واكثر ما يرد ((في الأمر المحبوب والمد في الأمر المكروه)) (¬7). وقد ورد في الأمر المحبوب النافع، أي إن الله تعالى استجاب دعاءكم بأنه ((معينكم وناصركم)) (¬8).
وأما الإرداف، فيعني: ((الإتباع والإلحاق)) (¬9)، فمردفين يعني: متتابعين (¬10). والمعنى: ((مردفين ملائكة أخرى فعلى هذا يكونون ممدّين بألفين من الملائكة)) (¬11)، أي أن وراء كل ملك ملكًا (¬12). وفي ذلك ما فيه من إرهاب العدو وإلقاء الرعب في نفسه، وهي ((عادتهم في الحرب إذا كان الجيش عظيمًا، أن يبعثوا طائفة منه ثم يعقبوها بأخرى؛ لأن ذلك أرهب للعدو)) (¬13).
وقيل أيضًا: إنه ((عنى بالمردفين: المتقدمين للعسكر يلقون في قلوب العدا الرعب)) (¬14).
والأول هو الوجه؛ لأنه اشد وقعًا وتأثيرًا في نفوس الأعداء. وفي ذلك تأييد، مؤكد بنصرة الله تعالى لهم، واستجابته لاستغاثتهم.
ونحو هذا قوله تعالى مخبرا عن دعاء المؤمنين ((الخاشع الطويل)) (¬15) الذين طلبوا فيه غفران الذنوب أولا وإعطاء الثواب ثانيًا (¬16): {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ
¬__________
(¬1) التحرير والتنوير 9/ 275.
(¬2) الكشاف 2/ 145، التحرير والتنوير 9/ 275، وروح المعاني 9/ 173.
(¬3) التحرير والتنوير 9/ 275.
(¬4) مختار الصحاح / 618 (مدد) و التحرير والتنوير 9/ 275.
(¬5) مجمع البيان 4/ 525 ولسان العرب 3/ 453 (مدد).
(¬6) لسان العرب 3/ 453 (مدد).
(¬7) المفردات في غريب القرآن / 705 (مد).
(¬8) روح المعاني 9/ 173.
(¬9) التحرير والتنوير 9/ 275.
(¬10) معاني القرآن للفراء 1/ 404، ومشكل إعراب القرآن 1/ 312.
(¬11) المفردات في غريب القرآن / 281 (ردف). وينظر مجمع البيان 4/ 525.
(¬12) روح المعاني 9/ 173.
(¬13) التحرير والتنوير 9/ 275.
(¬14) المفردات في غريب القرآن /281 (ردف).
(¬15) في ظلال القرآن 1/ 547.
(¬16) التفسير الكبير 9/ 149.