((لا يستوي هؤلاء وأولئك)) (¬1). ولم يُقْصَد التعبير على معلوم، لذا حُذفَ المفعول (¬2).
وقد يدل على الجواب المحذوف من الكلام دليلان، أحدهما حاليّ والآخر سياقي، كالذي في قوله عظم شأنه مخبرًا عن دعاء النبي إبراهيم عليه السلام حين قال: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا ءَامِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (¬3).
فقد حصلت الاستجابة، غير أن التعبير لم يذكرها صريحة، وإنما دلّ عليها دليلان:
الأول: حالي، وهو أن التعبير القرآني ذكر في موضع أن مكة أصبحت بلدًا ذا أمن، وأن فيه كل ما سأل إبراهيم لها، وهو قوله تعالى: {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} (¬4). و (كلّ) هنا يراد بها التعبير عن كثرة ما يُجبى إليها. وهذا نظير قوله تعالى في ملكة سبأ على لسان الهدهد: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} (¬5).
والآخر: هو السياق في قوله: {مَنْ كَفَرَ}، ففيه إيجاز بالحذف، كأنه قال: استجبت. والذي يدل عليه أنه ما نفى فلم يقل (لم استجب)، أي إن ((الدعوة قد اجيبت ووضع لها شروط جزائية)) (¬6)، هي أنه لم يستجب لمَن كفر، بل استجاب لمن آمن. والمعنى: ((قد استجبت دعوتك فيمن آمن منهم، ومَن كفر فأمتعه بالرزق الذي أرزقه إلى وقت مماته)) (¬7).
و (مَنْ) في قوله {ومَنْ كَفَرَ} ((في موضع نصب، أي وارزق مَن كفر فأمتعه. ويجوز أن تكون (مَنْ) للشرط ونصبها بفعل مضمر بعدها، أي: ومن كفر أرزقُ. (فأمَتِعُهُ) جواب الشرط ارتفعَ لدخولِ الفاءِ. ويجوزُ أن يكونَ (مَن) رفع بالابتداء و {فأُمتِّعهُ} خبره. والكلام شرط أيضًا وجواب)) (¬8).
والمتاع: هو ((انتفاع ممتد الوقت. يقال: مَتَّعَهُ اللهُ بكذا، وأمتعه، وتمتع به ... وكل موضع ذكر فيه تمتعوا في الدنيا فعلى سبيل التهديد؛ وذلك لما فيه من معنى التوسع)) (¬9). وقد
¬__________
(¬1) من إعجاز البيان في القرآن الاستفهام /282.
(¬2) دلائل الإعجاز /169.
(¬3) سورة البقرة /126.
(¬4) سورة القصص /57.
(¬5) سورة النمل /23.
(¬6) الدعاء والإجابة /46.
(¬7) مجمع البيان 1/ 206.
(¬8) مشكل إعراب القرآن 1/ 110 - 111.
(¬9) المفردات في غريب القرآن /699 (متع).