وينتهي الجواب بهذه الكلمة ويُقطَعُ الحوارُ بينهم (¬1) بها، فهو جواب موجز من أهل النار فيه خزي واستسلام وحزن واعتراف. نطقوا به؛ ليكون عقابهم نابعًا من ذنوبهم التي اعترفوا بها.
ومثل ذلك قوله عظم شأنه مخبرًا عن طلبة أهل النار إفاضة الماء عليهم من لدن أهل الجنة: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ} (¬2)، وهو نداء ((ملؤه الرجاء والاستجداء)) (¬3) والتذلل، يطلبون فيه أن يصبّ عليهم أهل الجنة من الماء الذي كثر عندهم وسال منصبًا (¬4)؛ لتسكين عطشهم، أو لدفع حر النار به عنهم (¬5). وطلبوا منهم كذلك أن يمدوهم بما رزقهم الله من غير الماء، مع أنهم آيسون من الإجابة، إلا أن حيرة الموقف وجلال الأمر ورهبته، والحال التي هم فيها، قادتهم إلى ذلك السؤال واضطرتهم إليه (¬6).
ويأتي الجواب من لدن أهل الجنة بأسلوب الخبر المؤكد؛ إذ {قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} (¬7). فقد أُكِّدّ بالأداة (إِنَّ)، وبتقديم لفظ الجلالة (اللَّهَ) على الفعل (حَرَّمَ)، الذي ورد مسندا إلى ضمير التثنية ((ولم يقل حرّمه وإن كان التقدير أفيضوا أحد هذين؛ لأنه جاء على قولهم جالسِ الحسنَ أو ابنَ سيرين، فيجوز مجالستهما جميعًا)) (¬8).
ويحمل التحريم هنا على معناه في اللغة: وهو المنع (¬9)، ولا يحمل على معناه الشائع، وهو عدم الجواز مطلقًا استجابة لأمر الشرع؛ لأن الدار الآخرة ليست بدار تكليف فالمعنى منعهما منع المحرم عن المكلف، فلا سبيل إلى ذلك قطعًا (¬10).
وقد قام أصحاب الجنة بوصف (¬11) الكافرين الذين حرموا من نعم الله وثوابه في الآخرة بقولهم: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا} (¬12). وهذا الوصف قد ذكّرهم بجرائمهم التي جرت عليهم كل هذا الشر والعقاب (¬13).
¬__________
(¬1) في ظلال القرآن 3/ 1292.
(¬2) سورة الأعراف / 50.
(¬3) في ظلال القرآن 3/ 1293.
(¬4) المفردات في غريب القرآن / 584 (فيض).
(¬5) مجمع البيان 4/ 425.
(¬6) الكشاف 2/ 81، وبلاغة الكلمة والجملة والجمل / 153.
(¬7) سورة الأعراف / 50.
(¬8) مجمع البيان 4/ 425
(¬9) المفردات في غريب القرآن / 164 (حرم)، ولسان العرب 1/ 616 (حرم).
(¬10) روح المعاني 8/ 126.
(¬11) التحرير والتنوير 9/ 149.
(¬12) سورة الأعراف / 51.
(¬13) أسلوب الدعوة القرآنية / 145.