أما الدنيوي فهو المتاع، ويعني المنفعة (¬1). وهذه المنفعة إنما تكون {لِلْمُقْوِيْن} وهو من القِواء، ويعني ((القفر، من أقوى: دخل القواء، كأصْحَرَ: دخل الصحراء. وتخصيص المقوين بذلك؛ لأنهم أحوج إليه)) (¬2)، أي إنها خُصِّصت بالمنقطعين في السير في الصحراء.
وقيل (¬3) أيضًا إن (المقوي) من الأضداد، بأن يقال للغني مقوٍ إذا صار ذا قوة من المال والنعمة، وللفقير مقوٍ إذا ذهب ماله وصار نازلاً بالقِواء من الأرض. والمعنى: متاعًا للأغنياء والفقراء؛ إذ لا غنى لأحدهما عنها.
ونحو هذا قوله عز وجل: {أَفَرَءَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ ءَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَلَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} (¬4). فالتعبير الخبري الدال على الجواب لم يصرح بتعيين المطلوب وهو إثبات الخلق لله سبحانه، وإنما استعاض عنه بما هو أبلغ منه وأظهر في الدلالة على القدرة على الخلق، وهو الإماتة والبعث (¬5).
وقد قيل إنه ((لو جاز الوقوف على كلمة (نحن) لكانت جوابًا كاملا، فيه التعيين بالمطلوب)) (¬6) غير أن التعبير يقرر عدة حقائق ليست جوابًا مباشرًا ومطابقًا لصورة السؤال، وإنما يراد منها إثبات الحقيقة التي قصد إليها السؤال، فيكون ذلك برهانًا متعدد المعاني الدالة على جواب ذلك السؤال. فقوله {قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ}، يعني: قَسمناه عليكم ووقّتنا موت كل منكم فاختلفت أعماركم (¬7). ولا يغلبنا أحد، إذ (السبق) مجاز عن الغلبة (¬8) في القدرة على تبديل خلقهم ونشأتهم وخلق أشباههم.
(11) ومن الظواهر أيضًا اتصال الجواب بالسؤال اتصالاً مباشرًا مع الإيجاز، والسائل هو ذاته المجيب. وسر ذلك قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ
¬__________
(¬1) روح المعاني 27/ 150.
(¬2) نفسه 27/ 150.
(¬3) الأضداد في كلام العرب 2/ 570، وروح المعاني 27/ 150.
(¬4) سورة الواقعة/58 - 61.
(¬5) من إعجاز البيان في القرآن الاستفهام/276.
(¬6) نفسه /276.
(¬7) الكشاف 4/ 56.
(¬8) روح المعاني 27/ 147.