ومن هذا اللون أيضًا قوله تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنْ الْيَمِينِ} (¬1)، وسؤالهم هنا ((سؤال تقريع بطريق الخصومة والجدال)) (¬2)، وفيه من اللوم والإسقاط ما فيه. وقد استعيرت {اليمين} هنا لجهة الخير، وهي استعارة تصريحية وتحقيقية؛ لشرفها (¬3)، أي إنكم تأتوننا عن طريق الخير مناصحين لنا وتصدوننا (¬4)؛ لذا أقررنا لكم (¬5).
وقيل هي مجاز عن القوة والقهر، أي: إنكم كنتم تحملوننا ببطشكم وقوتكم على الضلال وتقسروننا عليه (¬6). وهو من خطاب الكفار لغواتهم (¬7).
ثم يأتي الجواب بالإضراب عما قاله الأتباع الكفره، بأن {قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (¬8)، وهو إضراب إبطالي، إذ إنهم نفوا وأبطلوا ما زعمه الأتباع. وأنكروا (¬9) إضلال الكافرين من اتباعهم.
ثم أكدوا هذا النفي والتبرؤ والإنكار، بتعبير يلمح فيه الخديعة والكذب فقالوا: {وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} (¬10). وهو تعبير مؤكد بـ {كَانَ} الدالة على الكون العام، وبتقديم الخبر {لنا} والجار والمجرور {عليكم} على اسم {ما} العاملة عمل ليس {سُلْطَانٍ}، ومؤكد كذلك بـ (مِنْ) المزيدة للاستغراق وإفادة العموم. والسلطان، مشتق من سلط سلاطةً، ويعني ((التمكن من القهر)) (¬11).
ثم جاءوا بتعبير إضرابي آخر، أنتقلوا فيه إلى ((جواب آخر تسليمي على فرض
إضلالهم بأنهم لم يجبروهم عليه)) (¬12). فقالوا: {بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ} (¬13).
وقد أردفوا هذا التعبير بآخر يلمح فيه الوعيد (¬14) بالعذاب والتقريع (¬15)، إذ قالوا: {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ} (¬16)، أي ذائقون العذاب و (حَقَّ) بمعنى ثبت، والتعبير
¬__________
(¬1) سورة الصافات / 27 – 28.
(¬2) روح المعاني 23/ 81.
(¬3) نفسه 23/ 81.
(¬4) إعراب القرآن للنحاس 3/ 417، ومجمع البيان 8/ 441.
(¬5) مجمع البيان 8/ 441.
(¬6) الكشاف 3/ 339.
(¬7) مجمع البيان 8/ 441.
(¬8) سورة الصافات / 29.
(¬9) روح المعاني 23/ 82.
(¬10) سورة الصافات / 30.
(¬11) المفردات في غريب القرآن / 348 (سلط).
(¬12) روح المعاني 23/ 82.
(¬13) سورة الصافات / 30.
(¬14) الكشاف 3/ 339.
(¬15) روح المعاني 23/ 82.
(¬16) سورة الصافات / 31.