سبحانه وتعالى؛ محاولة منهم في التنصل من كل ذنب، ثم أردفوا اعتذارهم بتعبير فيه ما فيه من انقطاع الحيلة واليأس والندم، فقالوا: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} (¬1). والمحيص يعني: ((الزوال عن المكروه)) (¬2)، والحيدة (¬3) عنه، والمهرب والمنجى (¬4) منه.
ويلحظ أنهم ساووا بين أمرين متضادين لا يجتمعان، وهما: الجزع والصبر، فالجزع هو ((انزعاج النفس بورود ما يغم ونقيضه الصبر)) (¬5).
ويلحظ أن تعبيرهم هذا ورد بتقديم الجزع الدال على الشؤم واليأس والقنوط على الصبر، وهو تقديم يتناسب وحالتهم النفسية في ذلك اليوم الذي يسيطر عليها فيه شعور اليأس والتحسر والندم.
ونحو ذلك قوله عظم شأنه مصوّرا حال الأتباع مع المتبوعين، ومسميًا الحوار الدائر بين الكافرين محاجّة، يجليه قوله عزّ وجلّ: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاؤاُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنْ النَّار قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} (¬6).
فالطلب يتكرر من الأتباع إلى المتبوعين بدفع جزء من النار عنهم، ويجيب المستكبرون بخبر قصير مؤكد {إِنَّا كُلٌّ فِيهَا}. معلنين انهم سواء في هذا المصير. وهو جواب خبري دال على العموم الذي أشعرت به لفظة {كُلٌّ}، أي إن الضعفاء والمستكبرين ((مجتمعون في النار)) (¬7)، فهم في استحقاقها سواء.
ويلمح في هذا الجواب – كما في سابقه – اليأس والقنوط والاستسلام لمصيرهم الذي آلو إليه، نتيجة كفرهم في الحياة الدنيا وعلى ذلك فقد أردفوا جوابهم بتعبير خبري مؤكّد دال على التحقّق، وهو قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ}، فهذا القول تنزل ((منزلة بدل الاشتمال من جملة {إِنَّا كُلٌّ فِيهَا}. فكلتا الجملتين جواب لهم مؤيس من حصول التخفيف عنهم)) (¬8)، إذ لا شيء وراء حكم الله سبحانه وتعالى.
¬__________
(¬1) سورة إبراهيم / 21.
(¬2) مجمع البيان 6/ 309.
(¬3) المفردات في غريب القرآن / 195 (حاص).
(¬4) الكشاف 2/ 373 – 374.
(¬5) مجمع البيان 6/ 309.
(¬6) سورة غافر / 47 – 48.
(¬7) مجمع البيان 8/ 526.
(¬8) التحرير والتنوير 24/ 162 – 163.