قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَاكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} (¬1).
فالجواب المنفي وقع لجزء من تعبير السؤال السابق له، وقد ورد قولهم {بِمَلْكِنَا} بفتح الميم، وهو مصدر (مَلَكَ)، مضافًا إلى فاعله، وقُدِّر مفعوله، والمعنى: ما فعلنا ذلك بأن ملكنا الصواب ووفقنا له بل غلبتنا أنفسنا (¬2).
وأما قولهم: {وَلَاكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا}، فهو ((استدراك عمَّا سبق واعتذار عمّا فعلوه ببيان منشأ الخطأ)) (¬3). والأوزار هنا تعني الآثام (¬4).
ونحو هذا قوله عز وجل: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاى نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (¬5).
فقد ورد الجواب الصادر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن جزء مِمَّا طلبوه منه، وهو اقتراحهم بإبدال القرآن بجعلِ آية رحمة موضع آية عذاب، وإسقاط ما فيه من ذكر آلهتهم بالذم (¬6)، من غير أن يجيب عن الإتيان بقرآن على ما اقترحوه، وذلك لعلَّة هي أنه - صلى الله عليه وسلم - ((أُمِر بأن يجيب عن التبديل؛ لأنه داخل تحت قدرة الإنسان ... وأما الإتيان بقرآن آخر فغير مقدور عليه للإنسان)) (¬7).
وقد أكِّد جوابُهُ هذا بقَصر حاله - صلى الله عليه وسلم - على اتباع ما يوحى إليه (¬8). ثم أمِر بتكميل (¬9) جوابه لهم بأن يقول: {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (¬10)، وهو تعبير وارد على سبيل ((التعليل لمضمون ما قبله من امتناع التبديل واقتصار أمره - صلى الله عليه وسلم - على اتباع الوحي ... وفيه إيماء بأنهم استوجبوا العذاب بهذا الاقتراح، لأن اقتراح ما يوجبه يستوجبه أيضاً. وإن لم يكن كفعله، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة لضميره عليه الصلاة والسلام؛ لتهويل أمر
¬__________
(¬1) سورة طه /86 - 87.
(¬2) روح المعاني 16/ 245 - 246.
(¬3) روح المعاني 16/ 246.
(¬4) الكشاف 2/ 550.
(¬5) سورة يونس /15.
(¬6) الكشاف 2/ 228.
(¬7) الكشاف 2/ 228. وينظر فتح القدير 2/ 430، وروح المعاني 11/ 84.
(¬8) فتح القدير 2/ 430.
(¬9) فتح القدير 2/ 430.
(¬10) سورة يونس /15.