ويلحظ أن جوابهم ورد بالرفع، في حين ورد جواب الذين اتقوا بالنصب حين سُئلوا: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا} (¬8)، أي أنزل خيرًا، فنصب {خيرًا} بفعل محذوف دلّ عليه السياق قبله.
أما جواب الكافرين فوقع بالرفع، خبرًا لمبتدأ مضمر، أي: هو أساطير الأولين، أو يُردُّ الجواب على الكلام الأول وهو السؤال بـ (ما) التي كانت في موضع رفع فرفع (¬9). ولا يمكن نصبه بالفعل (أنزل)، لأنهم ((لم يعترفوا بأن الله أنزله؛ فلا وجه للنصب. ولو كان منصوبًا لكان الكلام متناقضًا؛ لأن قولهم: أساطيرُ الأولين يقتضي التكذيب بأن الله أنزله، والنصب بفعل مضمر يقتضي التصديق بأن الله أنزله، لأن تقديره (أنزل))) (¬10).
وعلى هذا فإن في اختيار الرفع في جواب الكافرين والنصب في جواب المؤمنين نكتة قرآنية ولطيفة دلالية، وهي أنّ هذا الاختيار كان ((فصلا بين جواب المُقِرِّ وجواب الجاحد، يعني أن هؤلاء لما سُئلوا لم يتلعثموا، وأطبقوا الجواب على السؤال بينًا مكشوفًا مفعولاً للإنزال ... وأولئك عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا: هُو أساطير الأولين وليس من الإنزال في شيء)) (¬11).
¬__________
(¬1) سورة النحل /24.
(¬2) معترك الأقران 2/ 324، وفي ظلال القرآن 4/ 2167.
(¬3) مجمع البيان 6/ 356.
(¬4) في ظلال القرآن 4/ 2167.
(¬5) تفسير غريب القرآن /37.
(¬6) إعراب القرآن للنحاس 2/ 394.
(¬7) الكشاف 2/ 406، ومثله في اللامات /49 - 50.
(¬8) سورة النحل /30.
(¬9) إعراب القرآن للنحاس 2/ 394.
(¬10) معترك الأقران 2/ 324.
(¬11) الكشاف 2/ 407.