ومثل ذلك قوله تعالى مصوّرا حال الكافرين في جهنم: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} (¬1). فهم يستغيثون ربهم في الخروج وهي استغاثة تلبّس فيها الصراخ بالقول، إذ الصراخ هنا هو ((صوت المُعذَّب)) (¬2). فهم ((يصيحون من شدة ما نابهم)) (¬3) من العذاب.
وقد جاءهم الجواب من الباري سبحانه مباشرًا غير مصدّر بقول، سريعًا في الرد عليهم، إذ حذف القول على سبيل الإيجاز، وجاءهم بأسلوب السؤال الإنكاري مذكرًا لهم بحالهم في الدنيا، فقال تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ} (¬4).
ويلحظ أن الاستفهام في جوابهم ((تقريع للتوبيخ ... والتعمير: تطويل العمر ... و (مَا) ظرفية مصدرية، أي زمان تعمير مُعَمَّر. وجملة {يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} صفة لـ (مَا)، أي زمانًا كافيًا بامتداده للتذكر والتبصير)) (¬5) والنذير: هو من أعلم بالمكروه قبل وقوعه (¬6).
وهو فعيل بمعنى مُفْعِل، ويراد به هنا الرسول. وقد ((وُصف الرسول بالنذير؛ لأن الأهم من شأنه بالنسبة إليهم هو النذارة)) (¬7). وقد اختير (فعيل)، لما فيه من المبالغة (¬8)، وذلك لأنه صفة مشبّهة، وهذه الصفة تفيد ثبوت الصفة للموصوف في الغالب.
ولم يجب الكافرون عمَّا قُرِّر لهم بأسلوب الاستفهام منهم؛ إذ بهتوا فاعتاص عليهم الجواب.
ويعقب التعبير هذا السؤال بتعبير أمري فيه من الوعيد والتهديد والتيئيس ما فيه فقد قال تعالى: {فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} (¬9).
فيلحظ أن فعل الأمر هنا ((مستعمل في معنى الدوام وهو كناية عن عدم الخلاص من
¬__________
(¬1) سورة فاطر / 37.
(¬2) التفسير الكبير 26/ 29.
(¬3) التحرير والتنوير 22/ 318.
(¬4) سورة فاطر / 37.
(¬5) التحرير والتنوير 22/ 319.
(¬6) معترك الأقران 2/ 568.
(¬7) التحرير والتنوير 22/ 320.
(¬8) إعراب القرآن للنحّاس 3/ 375.
(¬9) سورة فاطر / 37.
