ومن هذا اللون أيضًا قوله تعالى مصورًا حال الكافرين عند دخولهم جهنم: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَاؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَئاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَاكِنْ لا تَعْلَمُونَ} (¬3). فقد دعوه سبحانه أن يعذب المتبوعين عذابًا ضعفًا: ((عذابًا بضلالهم، وعذابًا بإضلالهم)) (¬4).
فكان جوابه سبحانه: {لِكُلٍّ ضِعْفٌ}، و ((ضعف الشيء هو الذي يثنّيه)) (¬5)، غير أن الباري سبحانه أجابهم بما زاد على طلبتهم من مضاعفة العذاب لمتبوعيهم؛ إذ قد يراد بالضعف ((ما زاد، ولا يقتصر على مثلين بل هو غير محصور)) (¬6). لأن من ضاعف الشيء كثّره، وجرى فيه التشديد)) (¬7).
فالضعف في جوابه تعالى قد لا يراد به المثلان، بل ما يزيد على ذلك، والدليل أن الضعف في جواب الباري سبحانه ورد بالتنكير، الذي قد يراد به التكثير (¬8).
ويلحظ أن في التعبير الاستدراكي {وَلَاكِنْ لا تَعْلَمُونَ} حذفا، أي لا تعلمون ((ما
تجدون من العذاب)) (¬9) ويلحظ في هذا الجواب معنى السخرية والتهكم بهم والتجهيل لهم.
وهي معان كثيرًا ما تلازم جوابات الباري سبحانه للكافرين والمعاندين.
* ... * ... *
أما حوار الباري سبحانه لإبليس اللعين، فيتمثل في أمر السجود لآدم عليه السلام، وهو سجود تكرّم لا سجود تعبّد (¬10).
¬__________
(¬1) التحرير والتنوير 22/ 320.
(¬2) نفسه 22/ 320.
(¬3) سورة الأعراف / 38.
(¬4) المفردات في غريب القرآن / 439 (الضّعف). وينظر مجمع البيان 4/ 417.
(¬5) المفردات في غريب القرآن / 439 (الضّعف).
(¬6) روح المعاني 8/ 116.
(¬7) معترك الأقران 2/ 623.
(¬8) البرهان في علوم القرآن 4/ 92، ومعاني النحو 1/ 43، والبلاغة والأسلوبية / 259.
(¬9) إعراب القرآن للنحاس 2/ 125.
(¬10) مجمع البيان 1/ 81، والجامع لأحكام القرآن 1/ 293، وفي ظلال القرآن 1/ 57.