وقد حذف المفعول هنا وهو الدعاء، والمراد: استجبنا ((دعاءه الذي دعاه في ضمن الاعتراف وإظهار التوبة على الطف وجه وأحسنه (¬2)، وعطف على {اسْتَجَبْنَا} قوله: {وَنَجَّيْنَاهُ} بالواو، وهو عطف تفسيري (¬3)، أي انه فسّر الاستجابة وأوضح نوعها بقوله: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ}. والإنجاء من النجاء، وهو ((الانفصال من الشيء)) (¬4)، ويعني هنا إخراجه من بطن الحوت (¬5). وقد عبّر عن بطن الحوت بـ {ألغمّ}؛ لأن ((ألغمّ: ستر الشيء)) (¬6) فكان عليه السلام في بطنها مخفيًا مكروبًا، وقد عبر عن ذلك في ندائه بقوله: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ}. فالغم هنا وقع مستعارًا لكل ما لقي ذو النون في بطن الحوت من هول حسي ونفسي.
ويلحظ أن الاستجابة وردت هنا سريعة وجيزة من غير تفصيل؛ مراعاة للسياق. على حين فصّلت في سورة الصافات (¬7)، بقوله تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَّقْطِينٍ}.
وختم هذا التعبير الجوابي المجمل قوله بالإشارة البعيدة: {وَكَذَالِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} وهو من التذييل (¬8).الذي يقوى معنى السياق السابق له.
ونحوه ما ورد في قوله تعالى: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُ مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِئايَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ} (¬9).
فالنداء هنا بمعنى الدعاء (¬10)، وقد ورد في هذا السياق مبهمًا بينه في مواضع أخرى من التعبير القرآني، كالذي في قوله تعالى: {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} (¬11)، وقوله تعالى: {رَبِّ
¬__________
(¬1) سورة الأنبياء / 87. وهي قراءة حفص عن عاصم، وقرأ ابن عامر وأبو بكر بن عياش عن عاصم. (نجي) بنون واحدة وجيم مشددة وتسكين الياء على الفعل الماضي، وإضمار المصدر، أي وكذلك نجّي النجاء المؤمنين، ينظر الجامع لأحكام القرآن 11/ 334، والنشر لابن الجزري 2/ 324
(¬2) روح المعاني 17/ 85.
(¬3) نفسه 17/ 85.
(¬4) المفردات في غريب القرآن / 736 (نجو).
(¬5) مجمع البيان 7/ 61، التحرير والتنوير 17/ 133، وروح المعاني 17/ 85.
(¬6) المفردات في غريب القرآن / 547 (غم).
(¬7) في ظلال القرآن 4/ 2393، وهي الآية /145 - 146.
(¬8) التحرير والتنوير 17/ 133.
(¬9) سورة الأنبياء /76 - 77.
(¬10) روح المعاني 17/ 73.
(¬11) سورة القمر/10.