والأول – فيما يبدو – هو الأرجح؛ لأنهم – عليهم السلام – قد علّلوا (¬2) جوابهم بقولهم: {إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}. الذي ورد بصيغة المبالغة والتكثير في علم الغيب، أي: ((أنت تعلم ما غاب وما بطن ونحن نعلم ما نشاهد)) (¬3). وعلمك هو الذي يقع عليه الجزاء (¬4).
وقيل أيضًا: إنهم نفوا العلم عن أنفسهم؛ ((تعريضًا بالتشكي من قومهم وإظهارًا للالتجاء إلى الله تعالى في الانتقام منهم)) (¬5).
ويلحظ أن جوابهم اتسم هنا بالإيجاز، وكأنهم حسموا الأمر به دون إطالة؛ لأنه سبحانه العالم بكل شيء؛ ولأن سؤال الباري سبحانه لهم لا تهمة فيه؛ لذا لم يطيلوا في الجواب الذي ورد بأسلوب النفي.
ومن حوار الباري سبحانه لرسله يوم القيامة، قوله عظم شأنه في تصوير حواره لعيسى عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَاهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (¬6) وهو سؤال ((تفهيم وليس باستفهام عن جهل ليعلمه. وهو يخرج مخرج الاستفهام، وانما يراد به النهي عن ذلك ويتهدّد به، وقد علم قائله أكان ذلك أم لم يكن)) (¬7).
وهو سؤال ورد على سبيل فرض الشك، وهو من الأساليب المعروفة عند العرب، إذ ((يقدّرون الشك في أمر من الأمور ليبنوا عليه – فيما بعد – ما ينفي احتمال وقوعه)) (¬8). وقد حمل أهل العلم هذا السؤال على عدة وجوه، فقيل يراد به التوبيخ (¬9)، والتقريع (¬10)،
¬__________
(¬1) الجامع لأحكام القرآن 6/ 361، وينظر روح المعاني 7/ 55.
(¬2) روح المعاني 7/ 56.
(¬3) مجمع البيان 3/ 261.
(¬4) الجامع لأحكام القرآن 6/ 361.
(¬5) مسائل الرازي وأجوبتها / 78، وينظر روح المعاني 7/ 55.
(¬6) سورة المائدة /116.
(¬7) مجاز القرآن 1/ 183 – 184.
(¬8) تأملات في آيات القرآن 1/ 23.
(¬9) الكامل 1/ 213، وتفسير الجلالين / 161، ودراسات في التفسير الموضوعي للقصص القرآني احمد جمال العمري /352.
(¬10) مجمع البيان 3/ 268، وروح المعاني 18/ 251.