ويستمر الحوار بين الباري عزّ وجل وبين هذا الرجيم، فيأمر الباري سبحانه بعد أن سمع جوابه له، بالجزاء العاجل له، وهو ترك موطن العز والنعيم، إلى حيث البلاء {فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنْ الصَّاغِرِينَ} (¬2). أي إن جزاء العصيان الطرد من الجنة، وهو الجزاء الملائم للتكبر، وقد حدث سريعا بعد العصيان، تدل عليه الفاء في قوله {فَاهْبِطْ}، إذ هي ((لترتيب الأمر بالهبوط على جواب إبليس فهو من عطف كلام متكلم على كلام متكلم آخر، لأن الكلامين بمنزلة الكلام الواحد في مقام المحاورة ... والفاء دالة على أن أمره بالهبوط مسبّب عن جوابه)) (¬3).
وقد أكدّ (¬4) التعبير الطرد الذي عبّر عنه بالهبوط، بقوله: {فَاخْرُجْ}. فهو ((تأكيد لجملة {فَاهْبِطْ} بمرادفها، وأعيدت الفاء مع الجملة الثانية، لزيادة تأكيد تسبب الكِبْر في إخراجه من الجنة)) (¬5).
وقوله تعالى: {إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} ((تعليل للأمر بالخروج)) (¬6)، وهو تعبير فيه من الشدة والقوة ما فيه، في إثبات الصغار له (¬7).
ويلحظ أن في هذا التعبير تقابلا، إذ إن قوله تعالى {مِنَ الصَّاغِرِينَ} وقع مقابلا لقولة اللعين {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ} الدالة على استكباره. فهو تقابل بالضد والنقيض، إذ ((الصغر والكبر من الأسماء المتضادة)) (¬8).
وبعد أن سمع اللعين ما سمع لم يستسلم لمصيره، وإنما طلب الإمهال، بأن {قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (¬9).فهو مع هذا ((الطرد الذليل طلب طلبًا غريبًا حقًا صدوره من مطرود)) (¬10). وقد أجابه الباري سبحانه إلى طلبته، بقوله: {إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ} (¬11)
¬__________
(¬1) الكشاف 2/ 68.
(¬2) سورة الأعراف / 13.
(¬3) التحرير والتنوير 9/ 43.
(¬4) روح المعاني 8/ 90.
(¬5) التحرير والتنوير 9/ 44.
(¬6) روح المعاني 8/ 90.
(¬7) التحرير والتنوير 9/ 45.
(¬8) المفردات في غريب القرآن / 415 (صغر).
(¬9) سورة الأعراف / 14.
(¬10) دراسة نصيّة (أدبية) في القصة القرآنية / 66.
(¬11) سورة الأعراف / 15.