، دل عليه السياق بعد ذلك، وهو قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ}، أي أنّ الله تعالى استجاب دعاءهم في الإنجاء وتخليصهم من تلك المحن.
وقوله {يبغونَ} مشتق من ((بغى الجرح: إذا ترامى في الفساد، وزيادة {فِي الأَرضِ}، للدلالة على شمول بغيهم لأقطارها. وصيغة المضارع للدلالة على التجدد والاستمرار ... {بغيرِ الحَقِّ} تأكيد لما يفيده البغي، إذ معناه أنه بغير الحق عندهم أيضًا)) (¬1).
(17) ومن الظواهر أيضًا تهافت الجواب بعد سؤال من عالم بما يسأل، وإنما كان سؤاله، تبكيتًا أو تقريرًا للمجيب أو تدحيضًا لحججه. وقد يدل السياق في آخر التعبير على عدم نطق المجيب وتهافت جوابه، كما في قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ باياتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ باياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ} (¬2). فالسؤال ورد تبكيتاً (¬3) لهم. وقد تهافت جوابهم فلم ينطقوا ببنة شفة، وقد دلّ على عجزهم عن الإجابة وتهافتها قوله الوارد في خاتمة التعبير {فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ}.
ومن هذا القبيل قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ} (¬4). فهذا سؤال عالم ورد تقريرًا (¬5) لهم بالذنب. وقد استعار التعبير لعدم النطق بقوله {فَعَمِيَتْ}، أي: ((فخفيت واستبهمت عليهم طرق الجواب يومئذ فصاروا كالعمى، لانسداد طرق الأخبار عليهم، كما تنسد طرق الأرض على العمى، وسميت حججهم أنباء؛ لأنها أخبار يخبر بها، فهم لا يحتجون ولا ينطقون بحجة)) (¬6).
وقد أكد آخر السياق عدم نطقهم وتهافت جوابهم؛ إذ قال {فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ}، أي لا يسأل بعضهم الآخر عن عذرهم في الجواب فلا يجيبون (¬7).
ونحوه قوله عظم شأنه: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (¬8). فهم لا يجدون لهذا السؤال جوابًا ولا يمكنهم أن ينطقوا أو يُشيروا إلى
¬__________
(¬1) روح المعاني 11/ 98.
(¬2) سورة النمل /83 - 85.
(¬3) الكشاف 3/ 161.
(¬4) سورة القصص /65 - 66.
(¬5) مجمع البيان 7/ 262.
(¬6) نفسه 7/ 262.
(¬7) نفسه 7/ 262.
(¬8) سورة لقمان /11.