و {مَذْءُومًا} يعني: مذمومًا وهو من ذأم (¬1). وقيل: ((معيبًا أو ممقوتًا)) (¬2). وعلى أيّ من المعنيين، فإن إبليس نال ما نال من الإهانة والذل. و (مَدْحُورًا) يعني: مطرودًا مبعَدًا (¬3)، فمعناه: ((أخرج خروج مذموم مطرود، فالذم لِمَا اتصف به من الرذائل، والطرد لتنزيه عالَم القدس عن مخالطته)) (¬4).
ويلحظ في هذا الحوار أنه مبسوط قد اختلفت فيه الرتب المتحاورة، وقام على الجدل المذموم من جهة إبليس عليه اللعنة، متعاليًا في البدء بالإباء عن سجود التكريم لآدم، وراجيًا بعد ذلك تأخير عقوبته وعذابه إلى يوم الدين. ثم متوعدًا بني آدم بالإغواء، إلا عباد الله المخلصين، إذ هم في نجوة منه، فإذا مسّهم طائف منه {تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} (¬5)، يرون الخير نورًا والشر ظلمة، فيستغفرون ويتوبون، وعندئذ ينجون.
(2) حوار الملائكة الكافرين:
وهو حوار أُريدَ به التبكيت والتوبيخ والإقرار بالذنب والجرم، وما إلى ذلك من أغراض تضمنتها أسئلة الملائكة للكافرين وهم في جهنّم. فمن ذلك قوله عظم شأنه مصّورا ما دار من حوار بين الملائكة والكافرين، حين يسألهم الملائكة سؤال توبيخ (¬6): {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (¬7)؟
فيأتي الجواب من الكافرين بتعبير فيه يأس وتحسر وانقطاع رجاء، بأن {قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا} (¬8)، بصيغة الماضي المتحقق الوقوع (¬9)، أي غابوا (¬10). فمعبودوهم غابوا عنهم وتاهوا فافتقدوهم، ولذلك قالوا: {ضَلُّوا} فهذا مأخوذ ((من ضلت دابته: إذا لم يعرف مكانها)) (¬11). وقد قالوا ذلك، مع أن معبوديهم كانوا معهم في الأوقات كلّها، إلا أنهم لما
¬__________
(¬1) المفردات في غريب القرآن / 265 (ذأم)، وروح المعاني 8/ 96.
(¬2) تفسير الجلالين / 194.
(¬3) المفردات في غريب القرآن / 238 (دحر)، وروح المعاني 8/ 96.
(¬4) التحرير والتنوير 9/ 51.
(¬5) سورة الأعراف / 201.
(¬6) مجمع البيان 8/ 532، وروح المعاني 24/ 86.
(¬7) سورة غافر / 73 – 74.
(¬8) سورة غافر / 74.
(¬9) روح المعاني 24/ 86.
(¬10) التحرير والتنوير 24/ 204.
(¬11) روح المعاني 24/ 86.