ويلحظ أن السؤال الثاني منهما لا يراد له جواب، بل هو وارد للتوبيخ والإنكار وقد ورد ملقنًا أيضًا.
(8) اتحاد الجواب في اللفظ لأسئلة متعددة مختلفة المضمون، والسؤال والجواب واردان بأسلوب القسم الشرطي، وذلك جلي في عدد من الآيات: منها قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (¬1)، وقوله عظم شأنه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (¬2) وقوله عز وعلا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَّنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (¬3)، وقوله تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (¬4).
ويلحظ أن هذا الاتحاد في الجوابات للأسئلة المتعددة ورد، ((تأكيدًا لأن هذا الموقف من شأنه أن تتعدد فيه الأسئلة وتكثر التساؤلات، لكنه لا يحتمل إلا إجابة واحدة، لذلك يتكرر السؤال. وقد تختلف أساليبه، ويبقى الجواب واحدًا)) (¬5).
ويلحظ في هذه الأجوبة أيضًا، أنها اتسمت بالإيجاز، إذ حُذف الفعل في جميعها، وقد دلت عليه القرينة اللفظية السياقية الواردة في تعبير السؤال السابق له، وهي (خلَقُهُنَّ الله) و (سخَّرهُنَّ اللهُ) و (نزَّلهُ اللهُ) و (خلَقَهُم اللهُ).
(9) قد يرد الجواب بالفعل لا بالقول، وسر ذلك قوله تعالى في قصة عيسى عليه السلام عندما اتهم القوم أمَّه عليها السلام فأشارت إليه، فقالوا {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} (¬6) ولم يقع الجواب من مريم عليها السلام بأن تقول لهم: ((تكلمونه كما تكلمون الكبار، أو ما يشبه ذلك)) (¬7)، بل كان الجواب صادرًا من عيسى عليه السلام، وهو رد بالعمل وهو النطق (¬8) لا بالقول، وهذا النطق كان إحدى معجزات نبوته، فقال: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَانِيَ
¬__________
(¬1) سورة لقمان /25، وسورة الزمر /38.
(¬2) سورة العنكبوت /61.
(¬3) سورة العنكبوت /63.
(¬4) سورة الزخرف /87.
(¬5) من إعجاز البيان في القرآن الاستفهام /279.
(¬6) سورة مريم /29.
(¬7) من إعجاز البيان في القرآن الاستفهام /283.
(¬8) من إعجاز البيان في القرآن الاستفهام /283.