وهو جواب يلمح فيه معاني الإقرار (¬3) بوحدانية الله في ألوهيته، والتكذيب والتسفيه لعابديهم، والتبرؤ (¬4) عمن عبدهم من دون الله، إذ ((عينوا الاحتمال الثاني، وهو أن الكافرين هم الذين ضلّوا السبيل)) (¬5)، أي أبعدوا ما نُسِب إِليهم ونفوه عن أنفسهم. وقد اختار التعبير القرآني ما يحقق ذلك، بأن ورد القول بصيغة الماضي: {قَالُوا} دون المضارع؛ ((للدلالة على تحقق التنزيه والتبرئة، وأنه حالهم في الدنيا. وقيل: للتنبيه على أن إجابتهم بهذا القول هو محل الاهتمام، فإنّ بها التبكيت والإلزام، فدّل بالصيغة على تحقّق وقوعها)) (¬6).
وقولهم: {سُبْحَانكَ} كلمة تنزيه يكنّى بها عن التعجب عن قول عظيم، وقد أرادوا بها تعظيم الله سبحانه في مقام الاعتراف بتنزيهه عن مشاركة أحد له (¬7).
ثم أكدوا التنزيه بالنفي العام (¬8) بقولهم: {مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ}. فدخلت (كان) هنا على المنفي بقصد ((المبالغة في نفي الداخل عليه بتعديد جهة فعله عمومًا باعتبار الكون، وخصوصًا باعتبار خصوصية المقال فهو نفي مرتين)) (¬9). فضلا عن ورود (مِنْ) التي أفادت تأكيد النفي واستغراقه (¬10) على أبلغ وجه.
والفعل (نبغي) مطاوع (بغى): إذا طلب الشيء. وهو كناية عن انتفاء طلبهم هذا الاتخاذ انتفاء شديدًا (¬11).
وأما (مِنْ) في قولهم: {مِنْ دُونِكَ} فهي ((للابتداء؛ لأن اصل (دُونِ) أنه اسم للمكان، ويقدر مضاف محذوف يضاف إليه (دُونِ) نحو: جلست دون، أي: دون مكانه. فموقع (مِنْ) هنا موقع الحال من {أَوْلِيَاءَ}. وأصلها صفة لـ {أَوْلِيَاءَ} فلما قدّمت
¬__________
(¬1) من إعجاز البيان في القرآن الاستفهام / 263.
(¬2) سورة الفرقان / 18.
(¬3) أسلوب السخرية في القرآن الكريم / 53.
(¬4) روح المعاني 18/ 249.
(¬5) من إعجاز البيان في القرآن الاستفهام / 275.
(¬6) روح المعاني 18/ 249.
(¬7) التحرير والتنوير 18/ 338.
(¬8) الجامع لأحكام القرآن 13/ 11.
(¬9) روح المعاني 4/ 85.
(¬10) روح المعاني 18/ 249.
(¬11) التحرير والتنوير 18/ 339.
