وأما أبن جني فيرى أن {مِنْ أَوْلِيَاءَ} في موضع المفعول به، وقد أجاز زيادة (من) في المفعول به (¬3)، إذ هي واردة في سياق منفي. فتكون زيادة؛ مبالغة في النفي.
ثم استدركوا تعبيرهم السابق بتعبير تعليلي على وجه التبرؤ، فقالوا: {وَلَاكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَءآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} (¬4)، أي: أن ((نعمك التي أنعمت عليهم كانت سببا لنسيانهم لذكرك وعبادتك ... والمراد بذلك توبيخ الكفار يومئذ وإقامة الحجة عليهم)) (¬5).
والنسيان هنا ((مستعمل في الإعراض عن عمد على وجه الاستعارة؛ لأنه إعراض يشبه النسيان في كونه عن غير تأمل ولا بصيرة)) (¬6).
والذكر: ما نزل على الرسل (¬7)، أو هو ((القرآن، لأنه يُتذكرُ به الحقّ)) (¬8). وقيل: إن المراد به ((الشكر على الإحسان إليهم والإنعام عليهم)) (¬9).
والبَوْرُ من البوار ويعني: ((فرط الكساد، كما قيل: كَسَدَ حتى فَسَدَ، عُبّر بالبوار عن الهلاك)) (¬10). فقد استعير البَوْر لشدة سوء الحالة، بناء على العرف الذي يعد الهلاك آخر ما يبلغ إليه الحي من سوء الحال.
وفي اجتلاب الفعل (كان) وبناء (بورًا) على (قومًا) وصفًا له، دون أن يقال: حتى نسوا الذكر وباروا، دلالة على تمكن البوار منهم، بما تقتضيه (كَانَ) من تمكن معنى الخبر، وما يقتضيه (قومًا) من كون البوار من مقومات قوميتهم (¬11).
د-حواره الكافرين وإبليس:
¬__________
(¬1) نفسه 18/ 339.
(¬2) التبيان في إعراب القرآن 2/ 982.
(¬3) المحتسب لابن جني 2/ 120. والتحرير والتنوير 18/ 339.
(¬4) سورة الفرقان /18.
(¬5) معترك الأقران 2/ 364.
(¬6) التحرير والتنوير 18/ 340.
(¬7) مجمع البيان 7/ 164.
(¬8) التحرير والتنوير 18/ 340.
(¬9) الجامع لأحكام القرآن 13/ 11.
(¬10) المفردات في غريب القرآن / 85 (بور).
(¬11) التحرير والتنوير 18/ 341.
