ويتوارى الصوت البشري لينطق ربُّ العزة بقوله: {فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَاذَا وَمَا كَانُوا بِئايَاتِنَا يَجْحَدُونَ} (¬1). وهو تعبير ((اعتراض حكى به كلام يُعلَنَ من جانب الله تعالى، يسمعه الفريقان. وتغيير أسلوب الكلام هو قرينة على اختلاف المتكلم)) (¬2).
وهو تعبير فيه تيئيس لهم مضافًا إلى التيئيس في تعبير أصحاب الجنة لهم وهو تيئيس – فيما يبدو – أشد من الأول؛ لأنه من ربّ العزة تعالى، فالنسيان هنا بمعنى الترك، أي: ((نتركهم في العذاب كما تركوا التأهب والعمل للقاء هذا اليوم)) (¬3). وهذا الكلام قد خرج مخرج التمثيل؛ إذ جاء النسيان بمعنى الترك كثيرًا، فيصح أن يُفسّر به هنا فيكون استعارة أو مجازًا مرسلاً (¬4) *.
(4) حوار الكافرين بعضهم بعضًا:
ومن جوابات الحوار التي دارت بين الكافرين في عالم الغيب قوله تعالى، مخبرًا عما دار بين الأتباع والمتبوعين من حوار جدلي: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاؤاُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} (¬5).
فهذا طلب من الأتباع للمتبوعين، بدفع بعض من عذاب الله سبحانه، وهو طلب ورد بقصد التبكيت (¬6)، أو التوبيخ والتقريع، للذين استكبروا (¬7).
وقد جاءهم الجواب من لدن المتبوعين بأسلوب شرطي يلمح فيه الاعتذار والانكسار، إذ {قَالُوا لَوْ هَدَيانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ} (¬8)، فقد ((أجابوهم معتذرين عما كان منهم إليهم بأن الله لو هداهم إلى الإيمان لهدوهم ولم يضلوهم)) (¬9). فأحالوا (¬10) ذنب المعصية والكفر على الله
¬__________
(¬1) سورة الأعراف / 51.
(¬2) التحرير والتنوير 9/ 150.
(¬3) مجمع البيان 4/ 425.
(¬4) روح المعاني 8/ 127، وأسلوب الدعوة القرآنية / 146.
(*) الاستعارة: ((هي ان تذكر أحد طرفي التشبيه وتريد به الطرف الآخر مدعيا دخول المشبه في جنس المشبه به دالا على ذلك بإثباتك للمشبه ما يخص المشبه به)) مفتاح العلوم / 599. وينظر معجم المصطلحات البلاغية 1/ 140 ..
(*) المجاز المرسل: هو ((الكلمة المستعملة قصدا في غير معناها الأصلي لملاحظة علاقة غير المشابهة مع قرينه دالة على عدم إرادة المعنى الوضعي)) جواهر البلاغة / 292.
(¬5) سورة إبراهيم / 21.
(¬6) الكشاف 2/ 373.
(¬7) مسائل الرازي وأجوبتها / 160.
(¬8) سورة إبراهيم / 21.
(¬9) الكشاف 2/ 373.
(¬10) مسائل الرازي وأجوبتها / 160.