على سبيل الإنكار (¬1): {أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنْ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ} أي: لم نصدكم (¬2). فهو جواب إنكار لقول المستضعفين وتبرؤ منهم (¬3). ورد بأسلوب الاستفهام.
ويلحظ في هذا الجواب الاستفهامي أنه ورد بتقديم ((المسند إليه قبل المسند الفعلي، في سياق الاستفهام الإنكاري الذي هو في قوة النفي؛ ليفيد تخصيص المسند إليه بالخبر الفعلي على طريقة: ما أنا قلت هذا)) (¬4). ثم جاء الجواب من لدن هؤلاء المنكرين، مصدرًا بالأداة (بل) التي تدل على الإضراب وإثبات ما بعدها؛ إذ قالوا: {بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ}. أي انتم منعتم أنفسكم عن الهدى وآثرتم الضلالة، فكنتم مجرمين لاختياركم، لا لقولنا وتسويلنا (¬5).
وما كان من الاتباع بعد سماعهم هذا الجواب من المتبوعين الذين تبرَّأوا فيه منهم، وأنكروا تبعيتهم لهم، إلاّ أن يصرخوا ((فيهم مذكّرين إيّاهم بما سلكوه معهم من ضروب الإرهاب والكيد والتمويه)) (¬6). فقالوا بأسلوب إضرابي أيضًا، وهو هنا إضراب إبطالي: {بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ}. فبعد أن أثبت المتبوعون أن العذاب كان بكسب الأتباع واختيارهم أبطل الأتباع إضراب المتبوعين بإضرابهم.
وهو تعبير ورد على سبيل المجاز؛ إذ اسندوا المكر لهذين الزمانين (¬7)، أي ((بل مكركُم الليلُ والنهارُ كما تقول العرب: نهاره صائم، وليله قائم)) (¬8).
وقيل: على حذف المضاف وإقامة الظرف مقامه اتساعًا (¬9)، أي مكركم في الليل والنهار بنا (¬10). فالليل والنهار لا يمكران وإنما يُمكَر فيهما، فأضاف ((المصدر إلى زمنه، فكأن زمن الفعل أجرى مجرى فاعله)) (¬11).
وذكر الزمخشري أنه ((اتسع في الظرف باجرائه مجرى المفعول به وإضافة المكر إليه)) (¬12) وليس كذلك، إذ لم يجر الظرف هنا مجرى المفعول به وإنما أجرى مجرى الفاعل.
¬__________
(¬1) مجمع البيان 8/ 392.
(¬2) مجمع البيان 8/ 392، وتفسير الجلالين / 568.
(¬3) التحرير والتنوير 22/ 206.
(¬4) نفسه 22/ 206.
(¬5) الكشاف 3/ 291.
(¬6) أسلوب السخرية في القرآن الكريم / 233.
(¬7) الكشاف 3/ 291، وروح المعاني 22/ 145.
(¬8) إعراب القرآن للنحاس 3/ 349.
(¬9) روح المعاني 22/ 145.
(¬10) إعراب القرآن للنحاس 3/ 349، والكشاف 3/ 291، ومجمع البيان 8/ 392، والجامع لأحكام القرآن 6/ 348، وتفسير الجلالين / 568.
(¬11) اللغة والإبداع لشكري محمد عياد / 111.
(¬12) الكشاف 3/ 291.