لم ينفعوهم، فكأنهم ضالون عنهم (¬1). فيكون ((ضلالهم استعارة لعدم النفع فحضورهم كالعدم)) (¬2).
ثم استدركوا (¬3) جوابهم بقولهم: {بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا} (¬4).
وفي هذا التعبير المصدر بالإضراب ((اعتراف بخطئهم وندم على قبيح فعلهم)) (¬5). وقد ورد بتنكير {شَيْئًا}؛ احتقارًا وتنصلا مما كانوا يعبدون من دون الله سبحانه، أي ((تبين لنا أنهم لم يكونوا شيئًا، وما كنا نعبد بعبادتهم شيئًا، كما نقول: حسبت أن فلانًا شيء، فإذا هو ليس بشيء: إذا خبرته فلم تَرَ عنده خيرا)) (¬6).
ثم يمضي السياق ليأتي بتعبير مبيّن لمصيرهم، فيقول تعالى: {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} (¬7).
ومثل ذلك قوله عظم شأنه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ} (¬8). فهذا سؤال توبيخ (¬9) وتقرير (¬10) وتقريع (¬11). وقد ورد جواب الكافرين اعتذارًا عن تقصيرهم، وتعللا عمّا وبخوا عليه (¬12)؛ إذ {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي
الأَرْضِ} (¬13)، وفيه مهانة ومذلة (¬14)، فهو ((جواب صادق؛ إذ لا مطمع في الكذب في
عالم الحقيقة. وقد حسبوا ذلك عذرًا يبيح البقاء على الشرك، أو يبيح التخلف عن الهجرة)) (¬15).
¬__________
(¬1) الكشاف 3/ 436.
(¬2) روح المعاني 24/ 86.
(¬3) مجمع البيان 8/ 532.
(¬4) سورة غافر / 74.
(¬5) روح المعاني 24/ 86.
(¬6) الكشاف 3/ 437.
(¬7) سورة غافر / 76.
(¬8) سورة النساء / 97.
(¬9) مجمع البيان 3/ 99، ومسائل الرازي وأجوبتها / 55، ومحاسن التأويل 5/ 1489، والتحرير والتنوير 5/ 175.
(¬10) مجمع البيان 3/ 99، والتحرير والتنوير 5/ 175.
(¬11) روح المعاني 5/ 125.
(¬12) الكشاف 1/ 556، ومجمع البيان 3/ 99، ومسائل الرازي واجوبتها / 55، ومحاسن التأويل 5/ 1489، وروح المعاني 5/ 126.
(¬13) سورة النساء / 97.
(¬14) في ظلال القرآن 2/ 744.
(¬15) التحرير والتنوير 5/ 176.