الخبري {إِنَّا لَذَائِقُونَ} بيان لـ {قَوْلُ رَبِّنَا} (¬1) وقد حذف المفعول لدلالة السياق عليه، أو لأجل أن ((تتوفر العناية على إثبات الفعل لفاعله)) (¬2). وقد يحذف المفعول لاجل ((تعميمه مع اختصار، فإنه إذا ذكر قصر عليه)) (¬3).
ويلحظ في هذا التعبير أنه ((عدل به إلى لفظ المتكلم؛ لأنهم متكلمون بذلك عن أنفسهم)) (¬4). ففي هذا العدول والالتفات نكتة معنوية هي ((زيادة التنصيص على المعنِّي بذوق العذاب)) (¬5). فهو كلام فيه يأس وقنوط واستسلام وتحسر، بعد أن كانوا في الحياة الدنيا يستهزئون ويسخرون ويتكبرون ويتبجحون.
ومثل ذلك تصوير ما دار من ((خصومة طريفة في صورة حوار شديد الحرارة والعنف والانفعال)) (¬6) بين الاتباع والمتبوعين يجليه قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنْ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ} (¬7).
فالمتبوعون والتابعون قد ((أحسوا جميعا ببشاعة ما ينتظرهم من عذاب. وأدرك الاتباع لأول مرة جناية زعمائهم عليهم، ومدى الخطأ الكبير في انسياقهم وراء ضلال سادتهم وكفرهم، فأخذوا تحت وطأة الندم المر الأليم، يلقون اللوم على زعمائهم)) (¬8) في يوم العرض، بين يدي الله سبحانه.
ويأتيهم الجواب من المتبوعين، وقد سمّي إرجاعًا، أي يردُ بعضهم إلى بعض القول في الجدال)) (¬9). وهو جواب صدّر بالقول الذي جُرِّد ((عن العاطف، لأنه جاء على طريقة المجاوبة، والشأن فيه حكاية القول بدون عطف)) (¬10). ثم تبع القول أسلوب استفهام ورد
¬__________
(¬1) التحرير والتنوير 23/ 105.
(¬2) دلائل الإعجاز / 173.
(¬3) التبيان في البيان / 83.
(¬4) الكشاف 3/ 339. وينظر إعراب الجمل وأشباه الجمل / 182.
(¬5) التحرير والتنوير 23/ 105.
(¬6) أسلوب السخرية في القرآن الكريم / 233.
(¬7) سورة سبأ / 31 – 33.
(¬8) أسلوب السخرية في القرآن الكريم / 233.
(¬9) مجمع البيان 8/ 392.
(¬10) التحرير والتنوير 22/ 206.