أن موسى يحزنه ذلك، فنهاه عن الحزن؛ لأنهم لا يستأهلون الحزن لأجلهم لفسقهم. والأسى: الحزن، يقال: أَسِيَ كفَرِحَ: إذا حَزَنَ)) (¬1).
ومن أساليب جوابات الدعاء أيضًا في التعبير القرآني وروده بصيغة الماضي المقرون بالفاء، دالا على حصول الاستجابة، كما في قوله تعالى على لسان الربانيين حين {قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَئاتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (¬2) فطلبوا ((غفران الذنوب، وتثبيت الأقدام، والنصر على الكفار)) (¬3) وقد حصلت إجابة دعائهم بغير اللفظ الصريح الدال بتركيب حروفه على الاستجابة، وإنما دل قوله {فَئاتَاهُمْ} المقرون بفاء التعقيب على الإجابة، وهو ((إعلام بتعجيل إجابة دعوتهم، لحصول خير الدنيا والآخرة، فثواب الدنيا هو الفتح والغنيمة، وثواب الآخرة هو ما كتب لهم حينئذ من حسن عاقبة الآخرة)) (¬4) وهي المغفرة والجنة (¬5).
فهو جواب ذو شقين: أحدهما في الدنيا، والآخر في الآخرة. وهو ما يناسب دعاءهم.
ويلمح في تعبير هذا الجواب اللطف والتعظيم للداعين، والإجلال والتبجيل لهم (¬6) فضلا عما في اختصاص ثواب الآخرة بالحسن من ((دلالة على فضله وتقدمه، وأنه هو المعتد به عنده)) (¬7) سبحانه وهو ما سيكون لهم في الآخرة.
وقد أردف السياق ذلك الإجلال والفضل بإعلان حب الباري سبحانه لهم بقوله: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. الذي ورد بتقديم لفظ الجلالة عناية واهتمامًا، وورود المحبة منه سبحانه بصيغة الفعل الدال على التجدد، ووصفهم بالاسم دون الفعل {مُحْسِنِينَ} الدال على دوام إحسانهم وثبوت ذلك الوصف بهم وأنه لا يزول عنهم.
ويلحظ أيضًا أن لفظ المحسنين حل محل الضمير (هم)؛ تبيانًا لكونهم إنما نالوا تلك الدرجة من العطاء والرفعة لما اتصفوا به من الإحسان في العمل، وهو ما صلح من الأعمال.
ونحو هذا قوله تعالى مخبرًا عن دعاء نوح عليه السلام: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى
¬__________
(¬1) التحرير والتنوير 6/ 168.
(¬2) سورة آل عمران /147 - 148.
(¬3) في ظلال القرآن 1/ 489.
(¬4) التحرير والتنوير 4/ 121.
(¬5) مجمع البيان 2/ 517، ومدارك التنزيل 1/ 310.
(¬6) مجمع البيان 2/ 517.
(¬7) الكشاف 1/ 469، ومدارك التنزيل 1/ 310.