ونحو هذا قوله تعالى: {أَفَرَءَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ءَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} (¬2). فقد دل الخبر الوارد هنا بعد السؤال على الجواب، غير ان التعبير لم يكتف ((في الجواب بقوله: نحن المنزلون، وهو تعيين المطلوب، بل أضاف إلى قدرته سبحانه على إنزال الماء، جعله عذبًا فأثبت المطلوب وزيادة)) (¬3).
ويلحظ في هذا التعبير وسابقه، أن الأول ورد جواب الشرط فيه مقترنًا باللام: {لجعلناهُ}، وورد في الثاني منزوعًا منه، وذلك ((للقرينة اللفظية والحالية)) (¬4) وقد علّل الزمخشري ذلك بأنّ ((تقدم ذكرها والمسافة قصيرة مغن عن ذكرها ثانية، ونائب عنه. ويجوز أن يقال إن هذه اللام مفيدة معنى التوكيد لا محالة، فأدخلت في آية المطعوم دون المشروب؛ للدلالة على أن أمر المطعوم مقّدم على أمر المشروب، وأن الوعيد بفقده أشدُّ وأصعب؛ من قِبَل أن المشروب إنما يُحتاج إليه تبعًا للمطعوم)) (¬5). وهي من التفاتات الزمخشري الذكية.
ونحوه قوله تعالى: {أَفَرَءَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ءَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} (¬6).
ففي هذا التعبير سؤال لم يجب عنه التعبير إجابة صريحة، فلم يعين المطلوب، من أن منشئ الشجر هو الله سبحانه وإنما اتجه اتجاهًا آخر، حيث ذكر ما هو أبلغ من الإجابة الواضحة والمعروفة. فالذي ((جعل من الشجر الأخضر نارًا قادرعلى أن يبعثكم يوم القيامة، ليجزي الكافرين بمثل هذه النار، إنها كلمة واحدة هي التي نقلت المنظر الدنيوي إلى منظر أخروي، ونقلت الفكرة من المادية إلى الروحية إنها كلمة (تذكرة))) (¬7). التي تعني تذكيرًا لنار جهنم (¬8). وهي المنفعة الأولى لهذه النار وقد قُدِّمت للتنبيه على أن الأهم، هو النفع الأخروي.
¬__________
(¬1) (*) التسهيم: هو أن يتقدم من الكلامِ ما يدلُّ على ما تأخرَ منهُ، أو يتأخرُ منهُ ما يدل على ما تقدم بمعنى واحد أو بمعنيين، وطورًا باللفظِ. تحرير التحبير 2/ 263.
() تحرير التحبير 2/ 267.
(¬2) سورة الواقعة /68 - 70.
(¬3) من إعجاز البيان في القرآن الاستفهام /277.
(¬4) روح المعاني 27/ 149.
(¬5) الكشاف 4/ 57، وروح المعاني 27/ 149.
(¬6) سورة الواقعة /71 - 73.
(¬7) من إعجاز البيان في القرآن الاستفهام /278.
(¬8) الكشاف 4/ 57.