فالسؤال منه سبحانه ورد توبيخًا (¬3)، وورد جواب إبليس بأسلوب خبري اسمي دال على الثبوت في الخبر. وقد صدّر جوابه بما يدل على تفاخر وإعظام نفسه {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ}، أي من آدم. فلم يذكر اسمه، واستغنى عنه بالضمير، استهانة به واستصغارًا له، وإظهارًا لاستكباره.
ثم زاد على هذا الجواب بأن ((ذكر العلّة التي تشبّث بها في تركه)) (¬4)، وهي خلقه من النار وخلق آدم من الطين. ومن ثم استنكر السجود لآدم عليه السلام واستبعد أن يؤمر بذلك (¬5)، لما يظنه هو من فضله عليه من حيث الخلقة والتكوين. وقد احسن الطوسي (¬6) (ت 460 هـ) حين بيَّنَ أن جهله ذهب به إلى ذلك، إذ خالف أمر ربه سبحانه، فضلا عما في الطين من الفوائد التي تفوق فوائد النار بكثير.
ويلحظ في الجواب أنه ورد بتقديم اللعين نفسه وتأخير ذكر آدم عليه السلام فأراد بهذا التقديم؛ التعالي، وبتأخير آدم الاستصغار.
فإبليس اللعين هنا ((يحكّم نفسه وفق ما يرى هو من سبب وعلّة)) (¬7)، وهو من جهله وسوء رأيه.
وهو مع ذلك جواب لم يكن مطابقًا لسؤال الباري سبحانه، إذ كان ((يجب أن يقول: منعني كذا، لأن قوله: {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ} جواب لمن يقول: أيّكما خير)) (¬8). وقد علّل
¬__________
(¬1) () سورة البقرة / 34، والأعراف / 12 – 18، والحجر / 32 – 42، والإسراء / 61 – 63، والكهف / 50، وطه / 116، وص / 75 – 85، ينظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.
(¬2) سورة الأعراف / 12.
(¬3) روح المعاني 8/ 87.
(¬4) الكشاف 3/ 383. وينظر روح المعاني 8/ 88.
(¬5) الكشاف 2/ 68 – 69.
(¬6) التبيان في تفسير القرآن 4/ 358 - 359.
(¬7) في ظلال القرآن 3/ 1266.
(¬8) مجمع البيان 4/ 402. وينظر الكشاف 2/ 68، وروح المعاني 8/ 88.
(*) لعله (على آدم).