السلام قبل أن يجيبهم بهذا الجواب ويعضده السياق بعد ذلك، وهو قوله تعالى: {وَءَاتَنِي رَحْمَةً مِّنْ عِنْدِهِ} (¬1)، فقد قال الطبرسي ((ردَّ عليهم بهذا جميع ما ادعوه)) (¬2).
ونحو هذا قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (¬3) فقد قيل (¬4) إنَّ لهُ جوابينِ: أحدُهما: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا} (¬5)، والثاني: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} (¬6)، فيلحظُ أنَّ الجوابَ الأول وردَ متَّصِلا مع سياقِ الابتداء والآخر ورد منفصلا عنهُ في سورةِ أُخرى.
ونحوهُ (¬7) قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ} (¬8) فقد أُجيبَ عن ذلكَ بثلاثةِ أجوبةٍ منفصلةٍ عن سياقِ قولتهم، الأول: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} (¬9)، والثاني: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} (¬10)، والأخير: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّنْ جِنَّةٍ} (¬11) وهي جواباتٌ وردت على سبيل التقابل مع قولتهم، وهو تقابل بالضدِّ والنقيضِ من حيث النفي والإثبات.
(3) قد يرد الجواب بالنفي لسؤال بالنفي، مع تضمن الجواب معنى في السؤال المراد به، فالتقى النفيان للتعبير عن المعنى، وهو ضرب من الجواب متفرد، نجده في قوله تعالى: {يَاأيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَلِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} (¬12) فقد نفى سبحانه أن يكون هناك خالق غيره يرزقهم، وذلك بأسلوب الاستفهام الذي يلمح فيه معنى النفي والإنكار (¬13).
ثم أجاب عن ذلك جوابًا فيه نفي وجود شريك له ردًّا على ذلك السؤال وبيانًا له، فقال مباشرة: {لا إِلَاهَ إِلا هُوَ} (¬14). فهذا التعبير ((استئناف مقرر للنفي المفهوم مما تقدم ... والفاء في قوله تعالى {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}، لترتيب إنكار عدولهم عن التوحيد إلى الإشراك على
¬__________
(¬1) سورة هود /28.
(¬2) مجمع البيان 5/ 155.
(¬3) سورة الزخرف /31.
(¬4) بصائر ذوي التمييز 1/ 112.
(¬5) سورة الزخرف /32.
(¬6) سورة القصص/68.
(¬7) بصائر ذوي التمييز 1/ 113.
(¬8) سورة الدخان/ 14.
(¬9) سورة التكوير/ 22.
(¬10) سورة القلم/ 2.
(¬11) سورة الأعراف /184.
(¬12) سورة فاطر /3.
(¬13) روح المعاني 22/ 167.
(¬14) سورة فاطر /3.